كاتب السؤال: المرصعي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٤/٩

أردت أن أعرف رأي السيد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حول قوانين حقوق النشر.

الاجابة على السؤال: ٦ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٤/١٢

وفقًا لرأي العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى، فإنّ مبدأ الحقّ في الإسلام هو الملكيّة؛ بمعنى أنّ لكلّ شخص حقّ التصرّف فيما يملكه، بشرط أن لا يكون تصرّفه مخالفًا لأحكام الإسلام، أو مانعًا لتصرّف الآخرين فيما يملكونه، وهذا هو المقصود من القاعدة المشهورة التي تقول: «النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ». بناء على هذا، فإنّ من يؤلّف كتابًا يُعتبر مالكه ويمكنه أن يتصرّف فيه، بأن ينشره أو يبيعه أو يهبه، وليس للآخرين أن يتصرّفوا فيه بغير إذنه، وإن فعلوا ذلك فهم ضامنون. نعم، لهم أن يتصرّفوا فيه بعد شرائه، بأن ينشروه أو يبيعوه أو يهبوه، وإن كره ذلك مؤلّفه؛ لأنّ ملكيّته انتقلت من مؤلّفه إلى المشتري بمقتضى البيع، وللمشتري حقّ التصرّف فيما يملكه، كما كان للمؤلّف حقّ مثله حينما كان مالكًا، ومن الواضح أنّه لا فرق بين الملكيّة الناشئة من التأليف والملكيّة الناشئة من الشراء، إلا فيما يتعلّق بالحقّ المعنويّ الذي لا يقبل الإنتقال ويكون محفوظًا للمؤلّف؛ لأنّ هويّة المؤلّف واقع خارجيّ لا يتغيّر بتغيّر الإعتبارات، ولذلك يُعتبر كتمانها تدليسًا، وإظهار خلافها كذبًا، وهما محرّمان؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[١]. هذه هي القاعدة في كلّ من ينتج شيئًا ثمّ يبيعه، والظاهر عدم خلاف فيها إلا فيما يتعلّق بحقّ النشر؛ لأنّه لا يعرف خلاف في أنّ من يشتري شيئًا له بيعه وهبته، وإنّما الخلاف المعروف في جواز نشره بمعنى نسخه وتكثيره، مع أنّ القاعدة عامّة شاملة لذلك ولا مخصّص لها في الكتاب والسنّة. بناء على هذا، للمشتري أن يبيع ويهب وينشر ما اشتراه؛ لأنّه قد ملكه، ومن ملك شيئًا ملك بيعه وهبته ونشره، إلا أنّه ليس له أن يكتم هويّة منتجه، أو يفعل أسوأ من ذلك بأن ينسب إنتاجه إلى نفسه أو إلى شخص ثالث.

لكن هل يكون للمنتج أن يشترط في ضمن العقد عدم النشر وعدم البيع وعدم الهبة لما يبيعه؟ الحقّ لا؛ لأنّ هذا الإشتراط ينافي سلطة المشتري على ماله، ومن هذه الناحية يخالف كتاب اللّه، وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ -أَوْ قَالَ: فَهُوَ بَاطِلٌ- وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ»[٢]، وهذا حديث متواتر معناه. أضف إلى ذلك أنّ دافع المنتج لاشتراط عدم النشر وعدم البيع وعدم الهبة ليس سوى النفعيّة بمعنى الإستكثار من الربح طمعًا، في حين أنّ النفعيّة بهذا المعنى تتعارض مع الأخلاق الإسلاميّة؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ[٣]، وقال: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ۝ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ۝ وَبَنِينَ شُهُودًا ۝ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ۝ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ۝ كَلَّا[٤]، وقال: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ[٥]، بل اشتراط عدم النشر وعدم البيع وعدم الهبة طمعًا في ربح أكثر هو بخل وأمر بالبخل، وهما محرّمان في الإسلام؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[٦]، وقال: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ۗ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[٧]، وقال: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[٨]، لا سيّما بالنسبة للمنتجات العلميّة والثقافيّة؛ لأنّ النفعيّة والبخل والأمر بالبخل فيما يتعلّق بها، يؤدّي إلى حرمان الفقراء من العلم والثقافة واحتكارهما بين الأغنياء؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ أَبْغَضِ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَأَرَادَ بِهِ مَنْفَعَةَ الدُّنْيَا، فَمَنَعَهُ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَعَرَضَهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، لِيَشْتَرِيَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَيَصُدَّ عَنْ سَبِيلِهِ، ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[٩].[١٠]

نعم، إذا أدّى عدم منع النشر والبيع والهبة للمنتجات العلميّة والثقافيّة إلى انخفاض إنتاجها من الحدّ اللازم، وجب على الإمام أن يدعم منتجيها ماليًّا، بأن يجعل لهم أجرًا أو جائزة من بيت المال؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عِلْمٌ، فَيَكْتُبُ كِتَابًا، أَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنَ النَّاسِ، فَيَرْبَحَ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كِتَابًا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، قُلْتُ: أَلَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُمُوهُ، فَلَا يَبِيعُوهُ وَلَا يَهَبُوهُ، لِيَزْدَادَ بِذَلِكَ رِبْحًا، إِنْ كَانَ كِتَابًا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قُلْتُ: فَمَنْ يَرْغَبُ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابَةِ؟! قَالَ: إِنَّمَا يَرْغَبُ فِيهَا مَنْ يَبْتَغِي فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَأَهْلُهَا، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى، فَمَكَثَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يَجْعَلَ لَهُ جَائِزَةً، إِنْ كَانَ كِتَابُهُ مِمَّا يَنْفَعُ النَّاسَ، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ[١١].[١٢]

هذا هو حكم الإسلام في النشر، وقد تمّ تشريعه لحماية أقلّ الناس أموالًا، ليكون العلم في متناول الناس أجمعين، ولا يكون حكرًا على الأغنياء منهم، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ۝ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا[١٣].

↑[١] . البقرة/ ٤٢
↑[٢] . انظر: موطأ مالك (رواية يحيى)، ج٢، ص٧٨٠؛ مسند عبد اللّه بن المبارك، ج١، ص١٣٧؛ مسند الشافعي، ص١٧٤؛ مصنف عبد الرزاق، ج٩، ص٧؛ مسند الحميدي، ج١، ص٢٧٩؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٢، ص٢٤٦؛ مسند أحمد، ج٤١، ص٦٩؛ صحيح البخاري، ج٣، ص٧٣ و١٩١؛ صحيح مسلم، ج٢، ص١٤١؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص٨٤٢؛ سنن أبي داود، ج٤، ص٢١؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٤٣٦؛ سنن النسائي، ج٦، ص١٦٤؛ المنتقى لابن الجارود، ج١، ص٢٤٦؛ مسند أبي يعلى، ج٧، ص٤١١؛ مستخرج أبي عوانة، ج٣، ص٢٣٣؛ شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج١١، ص٢١٤؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج٤، ص١١٩؛ سنن الدارقطني، ج٣، ص٤١٦؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج١٠، ص٥٦٨.
↑[٣] . التّكاثر/ ١
↑[٤] . المدّثّر/ ١١-١٦
↑[٥] . المدّثّر/ ٦
↑[٦] . النّساء/ ٣٧
↑[٧] . الحديد/ ٢٤
↑[٨] . آل عمران/ ١٨٠
↑[٩] . البقرة/ ١٧٤
↑[١٠] . القول ٧١، الفقرة ٢
↑[١١] . التّوبة/ ١٢٠
↑[١٢] . القول ٧١، الفقرة ٤
↑[١٣] . الطّلاق/ ٢-٣
رقم التعليق: ١ كاتب التعليق: محمّد تاريخ التعليق: ١٤٤٥/١٠/٢٤

لديّ استفسار حول الإجابة السابقة. هل تدخل في هذه الفتوى البرامج الحاسوبيّة التي تكلّف تكاليف باهظة؟ لو سمح بنسخ هذه البرامج وبيعها وهبتها، لم يحصل المطوّرون لها على عائد، وذلك يوجب خسارة كبيرة، وقد يؤدّي إلى توقّف تطويرها؛ كما سيحجم الناس عن الإستثمار في هذا المجال ممّا ينتهي إلى سيطرة غير المسلمين على هذا المجال بشكل كامل. أرجو التوضيح إن أمكن.

الاجابة على التعليق: ١ تاريخ الاجابة على التعليق: ١٤٤٥/١١/١٣

هذا يرجع إلى حكم الشرط في البيع، ولا اعتبار فيه بنوع المبيع؛ فإنّ البائع يشترط على المشتري أن لا يبيع المبيع ولا يهبه، وهو شرط ينافي مقتضى البيع مهما كانت صفة المبيع، وللفقهاء فيه ثلاثة أقوال: الأوّل أنّ الشرط والبيع باطلان جميعًا، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعيّ، والثاني أنّ البيع صحيح والشرط باطل، وبه قال الحسن، والشعبيّ، والنخعيّ، والحكم، وابن أبي ليلى، وأبو ثور، وهو رواية عن أحمد، والثالث أنّ البيع والشرط صحيحان جميعًا، وبه قال ابن شبرمة، وحمّاد بن أبي سليمان، وخير الأمور أوسطها، والدليل على ذلك ما ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في قضيّة بريرة، إذ أرادت عائشة أن تشتريها فتعتقها، فاشترط أهلها أن يكون لهم الولاء، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لعائشة: «اشْتَرِيهَا، فَأَعْتِقِيهَا، وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاؤُوا، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ»، ففعلت ذلك عائشة، ثمّ قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الناس، فقال: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟! مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ»، فصحّح البيع وأبطل الشرط[١]، وقد يُستشكل في ذلك بأنّ البيع لا يصحّ إلّا بتراض من المتبايعين؛ لقول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ[٢]، والظاهر أنّ أهل بريرة لم يكونوا راضين ببيعها إلّا بما اشترطوه، فكيف صحّح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم البيع بغير رضاهم؟! ويجاب بأنّه صحّح البيع لعلمه بأنّهم يرجعون عن شرطهم إذا علموا أنّه باطل؛ لأنّهم اشترطوه بجهالة، ولم يكن أصل مقصودهم من البيع، وعلى هذا فمن اشترط في بيعه شرطًا باطلًا وهو لا يعلم أنّه باطل فبيعه صحيح؛ لأنّه يرضاه إذا علم، إلّا أن يكون الشرط أصل مقصوده من البيع؛ لأنّه إذا كان كذلك انصرف عن البيع، والظاهر أنّ بيع المنتجات البرمجيّة وغير البرمجيّة بشرط أن لا تباع ولا توهب هو من هذا القبيل؛ لأنّ البائع إنّما يقصد بيعها أصلًا، إلّا أنّه يشترط على المشتري أن لا يبيعها ولا يهبها ليستكثر من الربح، ولو علم أنّ الشرط باطل لم ينصرف عن البيع؛ لأنّ في الإنصراف عنه خسارة أكبر، ولذلك يصحّ بيعه مع بطلان شرطه، وقد استدلّ من أبطل البيع والشرط جميعًا بما رواه أبو حنيفة، قال: «حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ»[٣]، وهو حديث ضعيف الإسناد؛ كما قيل لأبي داود: «عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حُجَّةٌ عِنْدَكَ؟» فقال: «لَا، وَلَا نِصْفُ حُجَّةٍ»[٤]، والظاهر أنّ قوله: «الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ» هو من قول أبي حنيفة، وليس من الحديث، فلا يسقط به حديث بريرة الثابت المشهور، وقد استدلّ من صحّح البيع والشرط جميعًا بما روي عن جابر بن عبد اللّه، أنّه «بَاعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا، وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى أَهْلِهِ»[٥]، وهو حديث مضطرب المتن، وقد رواه أكثر الناس بغير هذا اللفظ، والمستفاد من ألفاظهم أنّ جابرًا لم يشترط على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ظهر البعير، ولكنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أعاره ذلك حتّى يبلغ أهله؛ كما قال له: «ارْكَبْهُ، فَإِذَا قَدِمْتَ الْمَدِينَةَ، فَأْتِنَا بِهِ»[٦]، أو قال: «فَظَهْرُهُ لَكَ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ»[٧]، أو قال: «أَفْقَرْنَاكَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ»[٨]، والإفقار هو الإعارة، أو قال بصراحة: «قَدْ أَعَرْتُكَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ»[٩]، وهذا يدلّ على أنّ الشرط في البيع غير ثابت عنه أصلًا؛ فلا معارض لحديث بريرة الثابت المشهور.

أمّا القول بأنّ بطلان الشرط يجلب الخسارة على المنتج، وقد يؤدّي إلى ترك الإنتاج، فهو اجتهاد في مقابل النصّ؛ مع أنّنا قد رددنا عليه من قبل، فقلنا: إذا أدّى عدم منع النشر للمنتجات العلميّة والثقافيّة إلى انخفاض إنتاجها من الحدّ اللازم، وجب على الإمام أن يدعم منتجيها ماليًّا، بأن يجعل لهم أجرًا أو جائزة من بيت المال؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عِلْمٌ، فَيَكْتُبُ كِتَابًا، أَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنَ النَّاسِ، فَيَرْبَحَ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كِتَابًا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، قُلْتُ: أَلَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكْتُمُوهُ، فَلَا يَبِيعُوهُ وَلَا يَهَبُوهُ، لِيَزْدَادَ بِذَلِكَ رِبْحًا، إِنْ كَانَ كِتَابًا يَنْفَعُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قُلْتُ: فَمَنْ يَرْغَبُ بَعْدَ هَذَا فِي الْكِتَابَةِ؟! قَالَ: إِنَّمَا يَرْغَبُ فِيهَا مَنْ يَبْتَغِي فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَأَهْلُهَا، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى، فَمَكَثَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَالَ: عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يَجْعَلَ لَهُ جَائِزَةً، إِنْ كَانَ كِتَابُهُ مِمَّا يَنْفَعُ النَّاسَ، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ[١٠].[١١]

↑[١] . انظر: موطأ مالك (رواية يحيى)، ج٢، ص٧٨٠؛ مسند عبد اللّه بن المبارك، ج١، ص١٣٧؛ مسند الشافعي، ص١٧٤؛ مصنف عبد الرزاق، ج٩، ص٧؛ مسند الحميدي، ج١، ص٢٧٩؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٢، ص٢٤٦؛ مسند أحمد، ج٤١، ص٦٩؛ صحيح البخاري، ج٣، ص٧٣ و١٩١؛ صحيح مسلم، ج٢، ص١٤١؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص٨٤٢؛ سنن أبي داود، ج٤، ص٢١؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٤٣٦؛ سنن النسائي، ج٦، ص١٦٤؛ المنتقى لابن الجارود، ج١، ص٢٤٦؛ مسند أبي يعلى، ج٧، ص٤١١؛ مستخرج أبي عوانة، ج٣، ص٢٣٣؛ شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج١١، ص٢١٤؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج٤، ص١١٩؛ سنن الدارقطني، ج٣، ص٤١٦؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج١٠، ص٥٦٨.
↑[٢] . النّساء/ ٢٩
↑[٣] . جزء ابن عمشليق، ص٦١؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج٤، ص٣٣٥؛ معالم السنن للخطابي، ج٣، ص١٤٥؛ معرفة علوم الحديث للحاكم، ص١٢٨؛ مسند أبي حنيفة رواية أبي نعيم الأصبهاني، ص١٦٠؛ المحلى بالآثار لابن حزم، ج٧، ص٣٢٤
↑[٤] . انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي، ج٢٢، ص٧١؛ ميزان الاعتدال للذهبي، ج٣، ص٢٦٤.
↑[٥] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص٣٧٥؛ سنن الترمذي، ج٣، ص٥٤٦؛ مسند أبي يعلى، ج٤، ص٩٢
↑[٦] . مسند أحمد، ج٢٢، ص٢٧٣؛ سنن النسائي، ج٧، ص٢٩٨
↑[٧] . مغازي الواقدي، ج١، ص٤٠٠؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٣٢٣؛ مسند أحمد، ج٢٣، ص١٧٨؛ صحيح البخاري، ج٣، ص١٠٠؛ صحيح مسلم، ج٥، ص٥٤؛ سنن النسائي، ج٧، ص٢٩٨؛ مسند أبي يعلى، ج٣، ص٣٢٩
↑[٨] . مسند أبي داود الطيالسي، ج٣، ص٣٣٥؛ صحيح البخاري، ج٣، ص١٨٩؛ المعجم الصغير للطبراني، ج١، ص١٣٧؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٥، ص٥٤٩
↑[٩] . سنن النسائي، ج٧، ص٢٩٩
↑[١٠] . التّوبة/ ١٢٠
↑[١١] . القول ٧١، الفقرة ٤