أخبرنا عدّة من أصحابنا، قالوا: كان المنصور الهاشميّ الخراسانيّ قبل أن تظهر فتنة داعش يدعو جماعة من النّاس إلى معرفة الإسلام والتمهيد لظهور المهديّ. فسمعهم ذات يوم في المسجد يقولون: «إنّه يكذب!» فجاء حتّى جلس على درج المنبر، فحمد اللّه وصلّى على نبيّه، ثمّ قال:

أَيُّهَا النَّاسُ! أَيْنَ تَذْهَبُونَ وَأَيْنَ قُطِعَ عَلَيْكُمُ السَّبِيلُ؟! أَتَحْسَبُونَ أَنِّي أَكْذِبُ؟! عَلَى مَنْ؟! عَلَى اللَّهِ؟! وَلَا أَقُولُ عَلَيْهِ بِالظَّنِّ كَمَا تَقُولُونَ! أَمْ عَلَى خَلِيفَةِ اللَّهِ؟! وَلَا أَدْعُوكُمْ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَوْ خَرَرْتُ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ! لَا وَاللَّهِ لَمْ أَكْذِبْ، وَلَكِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ فَهْمِ قَوْلِي، وَسَتَعْلَمُونَ صِدْقَهُ إِذَا أَحَاطَ بِكُمُ الْفِتَنُ كَأَمْوَاجٍ هَائِجَةٍ، وَاقْتَرَبَ مِنْكُمُ الشُّغُوبُ كَأَعَاصِيرَ مُدَمِّرَةٍ، وَلَمْ تَجِدُوا غَيْرِي أَحَدًا يَدُلُّكُمْ عَلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ!

وَيْلَكُمْ! أَتَحْسَبُونَ أَنِّي أَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى؟! وَقَدْ تَرَوْنَ أَنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي! أَمْ تَحْسَبُونَ أَنِّي طَامِعٌ فِي دُنْيَاكُمْ؟! وَقَدْ تَرَوْنَ أَنِّي لَا أَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَقَدْ جَعَلْتُ نَفْسِي غَرَضًا لِسِهَامِ الْبَلَاءِ! أَمْ تَحْسَبُونَ أَنِّي أَطْلُبُ الرِّئَاسَةَ عَلَيْكُمْ؟! وَلَا أَجِدُ فِي الرِّئَاسَةِ عَلَيْكُمْ سِوَى تَعَبِ النَّهَارِ وَسَهَرِ اللَّيْلِ! كَلَّا، لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيَّ هَذِهِ الظُّنُونُ أَبَدًا! إِنِّي أَنْهَجُ طَرِيقَ الْقُرْآنِ، وَأُنِيرُ مِصْبَاحَ السُّنَّةِ، وَأَدْعُو إِلَى الْمَهْدِيِّ، وَإِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ.

وَقَرِيبًا مَا يَسْتَحْوِذُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ ضَخِمُ الْبَطْنِ خَبِيثُ الْعُنْصُرِ، فَيَمْتَصُّ دِمَاءَكُمْ وَيَشْرَبُهَا مِثْلَ الْعَلَقِ. أَلَا يَا أَيُّهَا الدَّعِيُّ! زِدْ فِي ضَغْطِكَ حَتَّى يَعْلَمُوا مَنِ الْكَاذِبُ وَيَعْلَمُوا الصَّادِقَ! وَوَيْلٌ لَكِ يَا فُلَانَةُ [اسم بلدة] الَّتِي قَدْ تَزَيَّنَتْ تَزَيُّنَ الْعَرُوسِ فِي الْحَجَلَةِ! كَيْفَ بِكِ -لَيْتَ شِعْرِي- إِذَا يَحْتَرِقُ شُرَفُ أَبْرَاجِكِ فِي شُعَلِ النَّارِ، وَتَنْثُرُ الرِّيَاحُ الْمُضْطَرِبَةُ رِمَادَكِ فِي الْهَوَاءِ الْمُغْبَرِ مِنَ الْعَالَمِ؟! آهٍ، يَا لَهَا مِنْ لَيَالٍ مُقْبِلَةٍ مَا أَطْوَلَهَا!

ثمّ نزل من المنبر فذهب.

شرح القول:

أراد جنابه بقوله: «لَا أَقُولُ عَلَيْهِ بِالظَّنِّ كَمَا تَقُولُونَ» أنّ الناس معتقدون بحجّيّة خبر الواحد وبالإستناد إليه ينسبون إلى اللّه عقائد وأحكامًا، مع أنّ خبر الواحد لا يفيد إلا الظنّ وهذا لا محالة يؤدّي إلى الكذب على اللّه عن غير قصد، لكنّ جنابه لا يعتقد بحجّيّة خبر الواحد ولا ينسب إلى اللّه شيئًا إلا بالإستناد إلى القرآن والخبر المتواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولذلك ليس من الممكن أن يكذب على اللّه خلافًا لهم، وأراد جنابه بقوله: «قَدْ تَرَوْنَ أَنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي» أنّه ينطق استنادًا إلى الأصول العلميّة والقواعد اليقينيّة التي يمكن للناس رؤيتها بالرجوع إلى آثاره المنشورة، ولذلك لا وجه لاتّهامه بأنّه ينطق عن الهوى، وقد جُمعت هذه الأصول والقواعد في كتاب «العودة إلى الإسلام» ويرى الناظر فيه أنّ لكلّ منها دليلًا من العقل والشرع، وقد تحقّق خبر جنابه عن الرّجل في أبي بكر البغداديّ قائد داعش؛ فإنّه امتصّ دماء المسلمين وشربها وزاد في ضغطه عليهم حتّى تبيّن لكثير منهم أنّه كاذب فيما يدّعي من الخلافة والصادق هو المنصور الذي يدعو إلى خلافة المهديّ، ولم يكن هناك أثر من داعش عندما قال جنابه هذا القول، ولذلك يمكن اعتباره من كرامات هذا العبد الصالح الدالّة على قربه من اللّه، وأمّا البلدة المتزيّنة التي يحترق شرف أبراجها فلم يذكر أصحابنا اسمها نظرًا لبعض الإعتبارات والمخاوف الأمنيّة في ذلك الزمان، ولكن تحقّق هذا الخبر أيضًا في غير واحد من بلاد المسلمين؛ كالأبراج المحترقة في سوريا خلال الحروب الأهليّة، وبرج بلاسكو في طهران الذي انهار بالكامل في حريق شملها حتّى بلغ شرفها في سنة ١٤٣٨ للهجرة، وغير ذلك.