كاتب السؤال: علي الراضي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٧/١٩

إحدى الشبهات التي يوردها أعداء الإسلام لإهانته وتلويثه هي تعدّد أنكحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. ما كانت الحكمة من هذه الأنكحة؟ لماذا يجوز للمؤمنين أن يتّخذوا أربع زوجات فقطّ، ولكنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم اتّخذ أكثر من ذلك؟

الاجابة على السؤال: ٦ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٧/٢٥

إنّ أعداء الإسلام لا يزالون يجدون ذريعة للدّعاية ضدّ الإسلام، لكنّهم لا يجدون أيّ عيب حقيقيّ فيه، والعيب الحقيقيّ هو اعتقاد أو عمل ينافي العقل السليم، وليس اعتقادًا أو عملًا ينافي عرفهم أو ذوقهم الحاليّ؛ لأنّه من الواضح أنّ معيار الصواب والخطإ ليس عرفهم أو ذوقهم الحاليّ، ولكنّه العقل السليم، وهو ينظر إلى حقيقة العقائد والأعمال بغضّ النظر عن الإعتبارات العرفيّة والذوقيّة، ومن الواضح أنّ النكاح ليس بقبيح في حقيقته حتّى يُستقبح تعدّده، بل هو حسن؛ لأنّه يفيد الإنسان صحّة الجسد وسكون النفس وبقاء النسل بطريقة مسؤولة، وذلك خير له باتّفاق العقلاء، ومن الواضح أنّ الإكثار من الخير محمود، وليس بمذموم، ولهذا لم يعمل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عملًا سيّئًا حتّى ينكر عليه أو يُسئل عن حكمته، بل عمل عملًا صالحًا لا يكرهه إلّا السفهاء من الناس.

أمّا وجوب اكتفاء المسلمين بأربع زوجات على الأكثر فليس حكمًا عقليًّا حتّى لا يجوز إخراج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن شموله، بل هو حكم شرعيّ جعله اللّه بالنظر إلى مصلحة نوعيّة للمسلمين، ويجوز له أن يخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن شموله إذا علم في ذلك مصلحة خاصّة أهمّ؛ كما صرّح بذلك فقال: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا[١]، ومراده بـ﴿الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ الأنبياء السابقون، ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ[٢]؛ فقد كان الإكثار من النكاح مألوفًا منهم؛ كما نكح إبراهيم عليه السلام سارة وهاجر وقطورة، ونكح يعقوب عليه السلام لَيئة وراحيل وبِلهة وزِلفة، ونكح موسى عليه السلام صفّورة وامرأة حبشيّة، ونكح داود عليه السلام تسعًا وتسعين امرأة، ونكح سليمان عليه السلام نساء كثيرة، ويُنسب إليه أشعار في مغازلتهنّ في سفر من الكتاب يسمّى «نشيد الأنشاد»، مع أنّهم كانوا أزهد الناس وأتقاهم لله، ولا يتّهمهم بسوء من له دين أو إنصاف، وقد أباح اللّه لهم ذلك علمًا بأنّهم معصومون لا يظلمون أزواجهم في شيء وإن كثُرن، وأنّهم سادة الأمم، فيحتاجون أحيانًا إلى أنكحة ذات أغراض سياسيّة، مثل تأليف قلوب، وجذب قبائل، وتوطيد علاقات، ومنع حروب؛ كما يوجد شواهد كثيرة على أنّ بعض أنكحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كانت لبعض هذه الأغراض؛ مثل نكاحه أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، وأبو سفيان يومئذ رئيس المشركين، فلمّا بلغه نكاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ابنته لان لذلك فقال: «ذَلِكَ الْفَحْلُ لَا يُقْرَعُ أَنْفُهُ»[٣]، وروي عن ابن عباس في قول اللّه تعالى: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً[٤]، قال: «نَزَلَتْ حِينَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ»[٥]، ومثل نكاحه جويرية بنت الحارث، إذ جاءته تستعينه على كتابتها، وكانت من سبايا بني المصطلق، فقال لها: «وَهَلْ لَكِ فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكِ؟» قالت: «وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» قال: «أَقْضِي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ»، قالت: «نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ»، قال: «قَدْ فَعَلْتُ»، فخرج الخبر إلى الناس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم تزوّج جويرية بنت الحارث، فقالوا: «أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»، فأرسلوا ما في أيديهم من السبايا، فأُعتق بتزويجه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إيّاها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فكانت عائشة تقول: «مَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا»[٦]، ولذلك قال اللّه له لمّا استقرّ الإسلام: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا[٧].

الحاصل أنّ مستمسك أعداء الإسلام للدعاية ضدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هو واهن جدًّا، وإنّما يستمسكون به لخداع العوامّ العاطفيّين وقصار النظر، ولا يُخدع به من فيه خير.

↑[١] . الأحزاب/ ٣٨
↑[٢] . الأحزاب/ ٣٩
↑[٣] . الطبقات الكبرى لابن سعد، ج١٠، ص٩٧؛ البيان والتبيين للجاحظ، ج٣، ص٣٠؛ تصحيفات المحدثين لأبي أحمد العسكري، ج١، ص٢١٧؛ أسباب النزول للواحدي، ص٤٢٣
↑[٤] . الممتحنة/ ٧
↑[٥] . الطبقات الكبرى لابن سعد، ج١٠، ص٩٧؛ أنساب الأشراف للبلاذري، ج٢، ص٧٣؛ الشريعة للآجري، ج٥، ص٢٤٤٨؛ دلائل النبوة للبيهقي، ج٣، ص٤٥٩
↑[٦] . انظر: سيرة ابن اسحاق، ص٢٦٣؛ مغازي الواقدي، ج١، ص٤١١؛ الطبقات الكبرى لابن سعد، ج١٠، ص١١٣؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٢، ص٢١٦؛ مسند أحمد، ج٤٣، ص٣٨٥؛ سنن أبي داود، ج٤، ص٢٢؛ المنتقى لابن الجارود، ص٢٦٠.
↑[٧] . الأحزاب/ ٥٢