كاتب السؤال: رضا الراضي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٨/١٣

ما حكم الجيلاتين الذي يؤخذ من عظام الخنزير ويستخدم في صناعة الأطعمة والأدوية؟ يقال إنّه حلال بسبب الإستحالة.

الاجابة على السؤال: ٣ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٨/١٥

«الإستحالة» تبدّل شيء إلى شيء آخر، وفي تطهيرها للنجاسات خلاف بين أهل العلم؛ فقال الشافعيّ وأحمد بن حنبل: لا تطهّرها، وقال أبو حنيفة تطهّرها، وهو الحقّ؛ لأنّ الحكم تابع للموضوع، فإذا تبدّل الموضوع تبدّل الحكم لا محالة؛ كما إذا حكم الشرع بأنّ النطفة نجسة والولد طاهر، فصارت النطفة ولدًا، أو حكم بأنّ الميتة نجسة والتراب طاهر، فصارت الميتة ترابًا، أو حكم بأنّ الخمر نجسة والخلّ طاهر، فصارت الخمر خلًّا، ولكنّ الحقّ أنّ أخذ الجيلاتين من عظام الخنزير ليس من باب الإستحالة؛ لأنّه الكولاجين الموجود فيها، وهو حرام كسائر أجزاء الخنزير؛ فما مثل أخذه منها إلّا كمثل أخذ الدهن منها بالطبخ والتسخين، وذلك لا يعتبر استحالة؛ لأنّ الدهن موجود فيها، وإنّما تمّ إخراجه، وليس الإخراج كالإستحالة، ولو افترضنا أنّه غير الموجود فيها فليس أخذه من الإستحالة أيضًا؛ لأنّه تبديل، والإستحالة تبدّل، وليس تبديل الشيء كتبدّله بنفسه، ولا يجوز تبديل ما حرّم اللّه من أجل تحليله؛ لأنّه مكر في آيات اللّه، وقد تبيّن أنّ اللّه إذا حرّم شيئًا حرّم الإحتيال لتحليله؛ كما عذّب القرية ﴿الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ[١]، فحفروا الحفيرة وجعلوا لها نهرًا إلى البحر، فإذا كان يوم السبت فتحوا النهر، فدخلته الحيتان حتّى وقعت في الحفيرة، فحُبست فيها، فإذا كان يوم الأحد جاؤوا فأخذوها، فجعلهم اللّه قردة خاسئين[٢]، وقد روي «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا، فَقَالَ: أَهْرِقْهَا، قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: لَا»[٣]، وهذا يدلّ على أنّ التبديل لا يُحلّ حرامًا، بخلاف التبدّل؛ كما صحّ عن جعفر بن محمّد عليه السلام أنّه سُئل عن الخمر يُجعل فيها الخلّ، فقال: «لَا، إِلَّا مَا جَاءَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ»[٤]، وبه قال الشافعيّ وأحمد بن حنبل، وهو إحدى الروايتين عن مالك، والرواية الأخرى أنّه قال: «الْخَمْرُ إِذَا مَلَكَهَا الْمُسْلِمُ فَلْيُهْرِقْهَا، فَإِنْ اجْتَرَأَ عَلَيْهَا فَخَلَّلَهَا حَتَّى صَارَتْ خَلًّا فَلْيَأْكُلْهَا، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ»[٥].

بناء على هذا، فإنّ أكل الجيلاتين المأخوذ من عظام الخنزير حرام؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ الجيلاتين لا يؤخذ من عظام الخنزير فقطّ، بل يؤخذ من عظام البقر أيضًا، ولذلك لا ضرورة في أخذه من عظام الخنزير وأكل ما يؤخذ منها، ومن الواضح أنّ اختيار الحرام على الحلال مع سهولة الوصول إلى الحلال شبه محاربة لله؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَنْ قَدَرَ عَلَى الْحَلَالِ فَأَبَى إِلَّا الْحَرَامَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ أَتَى الْحَرَامَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْحَلَالِ فَقَدْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِرَبِّهِ، وَمَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِرَبِّهِ فَقَدْ هَوَى.

↑[١] . الأعراف/ ١٦٣
↑[٢] . انظر: تفسير الطبري، ج٢، ص١٧١؛ تفسير ابن أبي حاتم، ج٥، ص١٦٠٠؛ تفسير الثعلبي، ج١٢، ص٥٦٦.
↑[٣] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٢٨٧؛ مسند أحمد، ج١٩، ص٢٢٦؛ الأموال لابن زنجويه، ج١، ص٢٨٥؛ مسند الدارمي، ج٢، ص١٣٤٤؛ سنن أبي داود، ج٣، ص٣٢٦؛ مسند البزار، ج١٣، ص٣٦٢؛ مسند أبي يعلى، ج٧، ص١٠٥؛ شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج٨، ص٣٨٩
↑[٤] . تهذيب الأحكام للطوسي، ج٩، ص١١٨
↑[٥] . المدونة لمالك بن أنس، ج٤، ص٥٢٥