كاتب السؤال: عبد اللّه تاريخ السؤال: ١٤٤٥/١٢/٢٠

ما رأيكم في الحديثين التاليين؟

١ . «يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا ينصرون اللّه ورسوله، هم خير من بيني وبينهم». متى يكون خروجهم؟ في عهد المهديّ، أم بعده، أم قبله؟

٢ . «سيكون من بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثمّ يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، ثمّ يؤمّر القحطانيّ، فوالذي بعثني بالحقّ ما هو دونه». هل القحطانيّ يكون بعد المهديّ وقبل عيسى بن مريم، وهو الذي يخرج في عهده الدّجّال و ينزل في عهده عيسى بن مريم؟

الاجابة على السؤال: ١٢ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٤٦/١/١

يرجى ملاحظة ما يلي:

١ . حديث «يَخْرُجُ مِنْ عَدَنِ أَبْيَنَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، هُمْ خَيْرُ مَنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ»[١] حديث غريب منكر، وذلك لأنّه لم يروه إلّا المنذر بن النعمان الأفطس، وهو رجل يمانيّ ليس له حديث مسند غير هذا[٢]، وقد رواه عن وهب بن منبّه، وهو أيضًا رجل يمانيّ اشتهر برواية الإسرائيليّات؛ كما وصفه الياقوت الحمويّ بأنّه كان «صَاحِبَ الْقِصَصِ»، وكان «كَثِيرَ النَّقْلِ مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْإِسْرَائِيلِيَّاتِ»[٣]، وقال الذهبيّ: «جُلُّ عِلْمِهِ عَنْ أَخْبَارِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، كَانَ عِنْدَهُ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ إِسْرَائِيلِيَّاتٌ كَانَ يَنْقُلُ مِنْهَا، لَعَلَّهُ أَوْسَعُ دَائِرَةً مِنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ»[٤]، ولا يبعد أن يكون حديثه هذا أيضًا من تلك الكتب، فاشتبه على المنذر بن النعمان، فزعم أنّه يرويه عن ابن عبّاس؛ بغضّ النظر عن وجود ريبة واضحة في تفرّد يمانيَّين برواية مثل هذا الحديث؛ فإنّه يمنع الإعتماد عليه؛ لا سيّما بالنظر إلى بطلان ظاهره؛ إذ لا خلاف بين المسلمين في أنّ خير من بين النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وبين الآخِرين هم الخلفاء الراشدون المهديّون، ولا يُعرف من يكون الإثنا عشر ألفًا من عدن أبين، ومتى يخرجون، وكيف ينصرون اللّه ورسوله، وبماذا يفضلون على من سبقهم في ذلك من الصحابة والتابعين والشهداء والصالحين، وهذا إجمال كبير يُنزل الحديث منزلة ما لا يُنتفع به من الكلام، ومثله لا يصدر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولذلك ذكره ابن الجوزيّ في «الأحاديث الواهية»[٥].

٢ . حديث «سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي خُلَفَاءُ، وَمِنْ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ أُمَرَاءُ، وَمِنْ بَعْدِ الْأُمَرَاءِ مُلُوكٌ، وَمِنْ بَعْدِ الْمُلُوكِ جَبَابِرَةٌ، ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جُورًا، ثُمَّ يُؤَمَّرُ الْقَحْطَانِيُّ، فَوَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا هُوَ دُونَهُ»[٦] حديث ضعيف؛ قال الهيثميّ في «مجمع الزوائد»: «رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ جَمَاعَةٌ لَمْ أَعْرِفْهُمْ»[٧]، وقال الألباني: «مَوْضُوعٌ»[٨]، وهو أوهن الأحاديث الواردة في القحطانيّ، وأقواها حديث أبي هريرة: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ»؛ فقد أخرجه البخاريّ ومسلم في صحيحيهما[٩]، ولكنّه حديث مختلَف في رفعه؛ فقد رواه سعيد بن أبي سعيد المقبريّ عن أبي هريرة موقوفًا[١٠]، وهو أصحّ، والشاهد على ذلك ما رواه البخاريّ في صحيحه أنّه «بَلَغَ مُعَاوِيَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ»[١١]، ووجه الشهادة شيئان: أحدهما أنّ عبد اللّه بن عمرو بن العاص كان يحدّث بذلك من دون أن يرفعه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وكان من المعروفين برواية الإسرائيليّات، والآخر أنّ معاوية صرّح بأنّه حديث ليس في كتاب اللّه ولا يؤثر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولم يردّ عليه أحد من الصحابة والتابعين، ولو كان حديثًا يؤثر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لردّ عليه بعضهم وقال: بل يؤثر، والظاهر عندنا أنّ الحديث من الإسرائيليّات التي حدّث بها عبد اللّه بن عمرو وأبو هريرة؛ فقد كانا يجالسان كعب الأحبار ويأخذان عن أهل الكتاب، ولذلك لا يُعتمد على ما تفرّدا به، ولو صحّ حديثهما في القحطانيّ أيضًا لم يدلّ على حسن حاله؛ لأنّه لا يزيد على أنّه يخرج فيسوق الناس بعصاه، أي يتسلّط عليهم بالقهر والغلبة، بل في حديث عبد اللّه بن عمرو ما يدلّ على أنّه «ملِك»، والملك عند السلف من لم يكن من الخلفاء الراشدين المهديّين؛ كما روي عن سلمان أنّ عمر قال له: «أَمَلِكٌ أَنَا أَمْ خَلِيفَةٌ؟» فقال له سلمان: «إِنْ أَنْتَ جَبَيْتَ مِنْ أَرْضِ الْمُسْلِمِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ وَضَعْتَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ فَأَنْتَ مَلِكٌ غَيْرُ خَلِيفَةٍ»، فاستعبر عمر[١٢].

↑[١] . مسند أحمد، ج٥، ص٢٠٠؛ مسند أبي يعلى، ج٤، ص٣٠٥؛ المعجم الكبير للطبراني، ج١١، ص٥٦
↑[٢] . انظر: المنتخب من علل الخلال لابن قدامة، ج١، ص٦٥.
↑[٣] . انظر: معجم الأدباء للحموي، ج٦، ص٢٨٠٢.
↑[٤] . العلو للعلي الغفار للذهبي، ص١٣٠
↑[٥] . انظر: العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي، ج١، ص٣٠٦.
↑[٦] . المعجم الكبير للطبراني، ج٢٢، ص٣٧٤
↑[٧] . مجمع الزوائد للهيثمي، ج٥، ص١٩٠
↑[٨] . ضعيف الجامع الصغير وزيادته للألباني، ص٤٨٥
↑[٩] . انظر: صحيح البخاري، ج٤، ص١٨٣؛ صحيح مسلم، ج٨، ص١٨٣.
↑[١٠] . انظر: الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٣٨٨؛ الفتن لنعيم بن حماد، ج١، ص١٢١.
↑[١١] . صحيح البخاري، ج٤، ص١٧٩
↑[١٢] . انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٣، ص٢٨٥؛ أنساب الأشراف للبلاذري، ج١٠، ص٣٦٠؛ تاريخ الطبري، ج٤، ص٢١١.