السبت ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٧ أبريل/ نيسان ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: يقال أنّ النصوص تصرف عن ظاهرها أحيانًا لأمور اقتضت ذلك. كيف نفرّق بين الصرف السائغ وبين ما يكون صرف باطل يحرّف المعنى ويبدّله؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
شبهات المنكرين لحجّيّة العقل

من المستحيل أن يقدر الذين ينكرون حجّيّة العقل على إثبات ادّعائهم؛ لأنّه لا يمكن إثبات أيّ ادّعاء بدون حجّيّة العقل؛ كما أنّهم يستدلّون بالعقل من حيث لا يشعرون؛ لأنّه، على سبيل المثال، الإستدلال بأنّ العقل محدود ولا يجوز الإستدلال بالمحدود هو استدلال عقليّ، ولذلك إن كان الإستدلال بالعقل غير جائز فلا يجوز هذا الإستدلال أيضًا، وإن كان الإستدلال بالعقل جائزًا فهذا الإستدلال غير صحيح! ... إنّ الدّعاية ضدّ العقل هي من عمل الشيطان ليفسح المجال لتفشّي الجهل في العالم، وكلّ إنسان يقوم بالدّعاية ضدّ العقل هو من حزب الشيطان وجنوده الذين يخدمونه، وهو في حالة الحرب مع اللّه، عن قصد أو عن غير قصد. [العودة إلى الإسلام، ص٣٩]

الفرق بين العقل والفلسفة

إنّ بعض النّاس يزعمون أنّ المراد بالعقل هو الفلسفة، ولهذا السّبب يعارضونه، مع أنّ هذه الفكرة غير صحيحة؛ لأنّ العقل قوّة أعطاها اللّه لإحاطة صحيحة بالمفاهيم ومصاديقها، وهو مشترك بين جميع البشر وليس حكرًا للفلاسفة، في حين أنّ الفلسفة علم خاصّ كسائر العلوم الإنسانيّة، نشأ في اليونان القديمة ودخل بين المسلمين خلال العصر العبّاسيّ ووجد لنفسه أنصارًا وأعداءً. من الواضح أنّ العقل كان موجودًا قبل ظهور الفلسفة، والفلسفة مجرّد علم جديد يقوم على العقل؛ كما أنّ العلوم الأخرى مثل الحساب والهندسة والطبّ تقوم على العقل، وكلّ يستخدم العقل في جهة ما. لذلك فإنّ كلّ فيلسوف عاقل، ولكن ليس كلّ عاقل فيلسوفًا، وما يُعتبر معيار المعرفة هو العقل وليس الفلسفة. بعبارة أخرى، فإنّ المراد بالعقل، حيث يُعتبر معيار المعرفة، هو العقل النّوعيّ للعقلاء، وليس العقل الشّخصيّ للفلاسفة، ومن الواضح أنّ التفكير العقلائيّ يختلف عن التفكير الفلسفيّ. لذلك، لا ينبغي أن تؤدّي معارضة الفلسفة إلى معارضة العقل؛ لأنّ العقل لا يساوي الفلسفة، والإلتزام به لا يستلزم الإلتزام بالفلسفة. [العودة إلى الإسلام، ص٣٩ و٤٠]

مبدأ الحسن والقبح

إنّ التنازع الذي مضى عليه ألف عام بين الأشاعرة والعدليّة حول مبدأ الحسن والقبح لم يكن له وجه، بل كان تنازعًا لفظيًّا؛ لأنّ عند الأشاعرة، مبدأ الحسن والقبح هو أمر اللّه ونهيه، وليس هناك حسن أو قبح قبل أمر اللّه ونهيه؛ بمعنى أنّ كلّ شيء استحسنه اللّه فهو حسن، وكلّ شيء استقبحه اللّه فهو قبيح، وهذا هو المبدأ الذي سمّوه «الحسن والقبح الشّرعيّين»، وعند العدليّة، ليس مبدأ الحسن والقبح أمر اللّه ونهيه، بل مبدأ أمر اللّه ونهيه هو الحسن والقبح، ومبدأ الحسن والقبح هو العقل وليس الشّرع؛ بمعنى أنّ اللّه أمر بما هو حسن ونهى عمّا هو قبيح، والحسن والقبح من العناوين الحقيقيّة التي لم تنشأ من اعتبار الشّرع، وهذا هو المبدأ الذي سمّوه «الحسن والقبح العقليّين»، في حين أنّ العقل والشّرع، وفقًا لما قلناه، ينبعان من منبع واحد ويرجعان إلى مرجع واحد، وهو اللّه الذي لا تفاوت في أفعاله التكوينيّة والتشريعيّة. لذلك، فإنّ مبدأ الحسن والقبح هو أمر اللّه ونهيه، إلّا أنّ أمر اللّه ونهيه يتمثّل في شكلين: أحدهما الأمر والنّهي التشريعيّ الذي يتجلّى في الشّرع، والآخر الأمر والنّهي التكوينيّ الذي يتجلّى في العقل، وبما أنّه من المستحيل أن يجتمع أمر اللّه ونهيه في موضوع واحد، فإنّ تعارض الشّرع والعقل غير ممكن. الحاصل أنّ مبدأ الحسن والقبح هو اللّه سبحانه وتعالى. [العودة إلى الإسلام، ص٤٠ و٤١]

المقدّمة الثانية؛ موانع المعرفة

النّظر فيما يمكن معرفته، عندما يتمّ في ضوء العقل، يقتضي معرفته؛ مثل النّظر إلى ما يمكن رؤيته، وعندما يتمّ في ضوء النور، يقتضي رؤيته. مع ذلك، كثيرًا ما يحدث أنّ إنسانًا ينظر في شيء ليعرف حسنه أو قبحه، لكنّه لا يصل إلى مقصوده، وأحيانًا يصل إلى ضدّ مقصوده، بمعنى أنّه يعرف الحسن قبيحًا والقبيح حسنًا؛ كمن قال اللّه تعالى فيه: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا. سبب هذا الفشل والخطأ الكبيرين وجود عوامل في نفس الآدميّ تمنعه من الحصول على المعرفة بالرّغم من النّظر، مثل حجب أمام عينيه تمنعه من رؤية الأشياء؛ كما قال اللّه تعالى في الكافرين: ﴿الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا، وقال أيضًا: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ. هذه العوامل المشؤومة والخطيرة تسمّى «موانع المعرفة». بناء على هذا، فإنّ العقل، وإن كان مقتضيًا للمعرفة، إلّا أنّه يصل إليها عندما لا يكون مانع في طريقه، ولا يقدر عليها عندما يكون في طريقه مانع. لهذا السّبب، فإنّ التعرّف على موانع المعرفة وإزالتها مقدّمتان للمعرفة، وبالتّالي فهما ضروريّان. [العودة إلى الإسلام، ص٤١]

الجهل؛ ضرورة العلم بالمفاهيم ومصاديقها؛ وجوب طلب العلم

الجهل بمعنى عدم العلم، هو أهمّ موانع المعرفة، بل أصلها؛ لأنّ نسبته مع المعرفة كنسبة شيء مع ضدّه، ولا يوجد مانع إلّا وقد نشأ منه؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ. من الواضح أنّ العقل ليعرف مجهولًا يحتاج إلى معلومات، حتّى يصل من خلال تركيبها إلى معرفته؛ كما أنّه لمعرفة حقّانيّة الشيء، يحتاج إلى معرفة الحقّ من جانب ومعرفة الشيء من جانب آخر، حتّى يصل من خلال مقارنتهما إلى معرفة أنّه حقّ أم لا. من هنا يعلم أنّ العلم بمفهوم الشيء لا يكفي لمعرفته، والعلم بمصداقه أيضًا ضروريّ، في حين أنّ العلم بمصداقه أكثر صعوبة من العلم بمفهومه؛ لأنّ مصداقه خارج نفس الآدميّ، ومعرفة ما هو خارج نفس الآدميّ أكثر صعوبة من معرفة ما هو في نفسه؛ كما أنّه ليس من الصّعب معرفة الحقّ والباطل من حيث المفهوم، ويتمّ الحصول عليها بجهد الذهن، ولكن من الصّعب معرفتهما من حيث المصداق، ولا يتمّ الحصول عليها إلّا بجهد الجوارح، ولذلك ترى النّاس يختلفون في مصداق شيء لا يختلفون في مفهومه. بناء على هذا، فإنّ فقدان المعلومات اللازمة لمعرفة الشيء، سواء من حيث المفهوم أو من حيث المصداق، يمنع معرفته، وتحصيل المعلومات اللازمة لمعرفته، سواء من حيث المفهوم أو من حيث المصداق، أمر ضروريّ. هذا ما يسمّى في الإسلام «طلب العلم» ويعتبر فريضة على كلّ مسلم. [العودة إلى الإسلام، ص٤١ و٤٢]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

أَفِيقُوا، وَاسْتَيْقِظُوا، وَقُومُوا! فَوَاللَّهِ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ «الْمَعْرِفَةِ»، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُكُمْ إِلَّا «بِالْعِلْمِ». الْآنَ يَدْعُوكُمُ الْمَعْرِفَةُ كَمَلَكٍ، وَيُنَادِيكُمُ الْعِلْمُ كَنَبِيٍّ، صَائِحًا فِي أَسْوَاقِكُمْ، وَهَاتِفًا عَلَى سُطُوحِ بُيُوتِكُمْ، أَنْ «يَا أَيُّهَا الْغَافِلُونَ! قَدْ أَدْبَرَ لَيْلُ الْغَفْلَةِ، وَطَلَعَ فَجْرُ الْمَعْرِفَةِ. فَالْآنَ اسْتَيْقِظُوا، وَسَارِعُوا إِلَيَّ، وَلَا يَصُدَّنَّكُمْ عَنِّي شَيْءٌ؛ لِأَنِّي أَكْثَرُ ضَرُورَةً لَكُمْ مِنْ قُوتِ يَوْمِكُمْ، وَأَكْثَرُ نَفْعًا لَكُمْ مِنْ مَكَاسِبِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ. أَنَا الْوَحِيدُ الَّذِي يَبْقَى مَعَكُمْ، وَلَا يُفَارِقُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ أَمْوَالَكُمْ تَفْنَى، وَأَزْوَاجَكُمْ تَمُوتُ، وَأَوْلَادَكُمْ تَفْتَرِقُ، وَلَكِنِّي لَا أَفْنَى وَلَا أَمُوتُ وَلَا أُفَارِقُكُمْ أَبَدًا، بَلْ أَحْفَظُكُمْ كَمَا أَحْفَظُ نَفْسِي، وَأُوصِلُكُمْ مَعِي إِلَى الْخُلُودِ. إِنْ كُنْتُ مَعَكُمْ لَمْ يَضُرَّكُمْ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ مَعَكُمْ لَمْ يَنْفَعْكُمْ شَيْءٌ. فَأَيُّ صَادٍّ يَصُدُّكُمْ عَنِّي، وَأَيُّ مُغْنٍ يُغْنِيكُمْ عَنِّي؟!»، هَكَذَا يَدْعُوكُمُ الْمَعْرِفَةُ إِلَى نَفْسِهَا، وَيُنَادِيكُمُ الْعِلْمُ إِلَى نَفْسِهِ. فَأَجِيبُوا دَعْوَةَ الْمَعْرِفَةِ، وَاسْمَعُوا نِدَاءَ الْعِلْمِ. قُومُوا لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَاهْتَمُّوا بِتَعَلُّمِ الصَّحِيحِ مِنَ الْخَطَإِ؛ وَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟! وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ قِوَامُ إِنْسَانِيَّتِكُمْ، وَتَعَلُّمُ الصَّحِيحِ وَالْخَطَإِ أَسَاسُ شَخْصِيَّتِكُمْ. كَيْفَ يُسَمِّي نَفْسَهُ إِنْسَانًا مَنْ يُبْغِضُ الْمَعْرِفَةَ؟! وَلِمَ لَا يُسَمِّي نَفْسَهُ فَرَسًا مَنْ هُوَ بَعِيدٌ مِنَ الْعِلْمِ؟! عِلْمُ الْإِنْسَانِ عِمَادُ شَرَفِهِ، وَمَعْرِفَتُهُ سَبَبُ عِزَّتِهِ. لَا أَعْنِي بِالْمَعْرِفَةِ الرِّيَاضِيَّاتِ وَالْهَنْدَسَةَ وَمَا شَابَهَهُمَا، وَلَا أُرِيدُ بِالْعِلْمِ الْفِقْهَ وَالْأُصُولَ وَالْمَنْطِقَ وَالْفَلْسَفَةَ! هَذِهِ كُلُّهَا فَضْلٌ قَدْ أَصْبَحَ الْيَوْمَ فِتْنَةً، وَلَا تَقُومُ عَلَيْهَا إِنْسَانِيَّتُكُمْ! إِنَّمَا أُرِيدُ بِالْعِلْمِ تَمْيِيزَ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَأَعْنِي بِالْمَعْرِفَةِ تَشْخِيصَ الْهِدَايَةِ مِنَ الضَّلَالَةِ. كَمْ مِنْ فَقِيهٍ وَفَيْلَسُوفٍ قَدْ أُدْخِلَ النَّارَ، وَكَمْ مِنْ طَبِيبٍ وَمُهَنْدِسٍ لَمْ يَنَالِ الْفَلَاحَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْهِدَايَةَ مِنَ الضَّلَالَةِ! [الرسالة الثالثة]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

الْمَعْرِفَةُ تَنْصُرُ صَاحِبَهَا، وَالْعِلْمُ يُنْجِي صَدِيقَهُ. هَذَانِ لَكُمْ كَالْمَاءِ لِلْعَطْشَانِ، وَالطَّعَامِ لِلْجَائِعِ، وَالدَّلِيلِ لِلتَّائِهِ، وَالْأَنِيسِ لِلْوَحِيدِ. هَذَانِ ظَهِيرٌ لَكُمْ، وَعَصًا لِأَيْدِيكُمْ. هَذَانِ دَوَاءٌ لِأَدْوَائِكُمْ، وَبَلْسَمٌ لِجُرُوحِكُمْ. هَذَانِ مِفْتَاحٌ لِأَبْوَابِكُمُ الْمُغْلَقَةِ، وَبَوَّابَةٌ إِلَى سَعَادَتِكُمْ. هَذَانِ رَأْسُ مَالِكُمْ فِي يَوْمِ حَاجَتِكُمْ، وَمُغِيثُكُمْ فِي يَوْمِ مَسْكَنَتِكُمْ. هَذَانِ لَكُمْ قَادَةٌ لَا يُضِلُّونَ، وَحُكَّامٌ لَا يَظْلِمُونَ. هَذَانِ لَكُمْ بُيُوتٌ لَا تَنْهَارُ، وَأَرَاضٍ دَائِمَةُ الْخَضَارِ. هَذَانِ لَكُمْ أَمْوَالٌ لَا تُسْرَقُ، وَعُمَّالٌ لَا تَنِي. هَذَانِ لَكُمْ أَزْوَاجٌ لَا تُفَارِقُ، وَأَوْلَادٌ لَا تَجْفُو. هَذَانِ لَكُمْ أَصْدِقَاءُ لَنْ يَخُونُوا، وَرُفَقَاءُ لَنْ يَخْذُلُوا. فَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِمَا، وَلَا يَصُدَّنَّكُمْ عَنْهُمَا شَيْءٌ. اعْرِفُوا الصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ، وَالصَّحِيحَ مِنَ الْخَطَإِ؛ فَإِنَّ عَدَمَ الْمَعْرِفَةِ سَارِقُ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَعَدَمَ التَّمْيِيزِ سَبَبُ نَدَامَتِكُمْ. [الرسالة الثالثة]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

الْجَهْلُ فِي هَذَا الزَّمَانِ ذَنْبٌ لَا يُغْتَفَرُ وَخَطَأٌ لَا يُتَدَارَكُ. فِي هَذَا الزَّمَانِ، إِنْ لَا تَعْرِفُوا الْحَقَّ تُخْدَعُوا، وَإِنْ لَا تَمِيزُوا الْهِدَايَةَ تُغَرُّوا؛ إِنَّ شَيَاطِينَ الْجِنِّ يَبِيعُونَكُمُ الْبَاطِلَ بَدَلًا مِنَ الْحَقِّ، وَشَيَاطِينَ الْإِنْسِ يُطْعِمُونَكُمُ الضَّلَالَةَ بِاسْمِ الْهِدَايَةِ. لَا يَزَالُ يُوجَدُ مُنْتَهِزُونَ يَنْتَهِزُونَ جَهْلَكُمْ وَيَسْتَغِلُّونَ غَفْلَتَكُمْ، لِيَتَسَبَّبُوا بِكُمْ إِلَى السُّلْطَةِ وَالثَّرْوَةِ، فَيَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ وَأَنْفُسَكُمْ. فَلَوْ كُنْتُمْ وَاعِينَ لَمْ يَتَسَلَّطُوا عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُنْتُمْ فَاطِنِينَ لَمْ يَتَغَلَّبُوا عَلَيْكُمْ. أَلَيْسَ يَقْصُدُ السَّارِقُ الْبَيْتَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَيَقَعُ السَّمَكُ فِي الشَّبَكَةِ فِي الْمَاءِ الْعَكِرِ؟! كُونُوا عَلَى حَذَرٍ، وَلَا تَظِلُّوا جَاهِلِينَ وَغَافِلِينَ بَعْدَ هَذَا. بَادِرُوا إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَاسْعَوْا لِتَشْخِيصِ الْهِدَايَةِ مِنَ الضَّلَالَةِ، قَبْلَ أَنْ يَفُوتَكُمُ الْأَوَانُ... أَلَيْسَ فِيكُمْ رَجُلٌ عَاقِلٌ يَتَلَقَّى حِكْمَتِي، وَامْرَأَةٌ فَاهِمَةٌ تَقْبَلُ نَصِيحَتِي؟! أَيْنَ فُطُنُكُمْ لِيَفْقَهُوا قَوْلِي، وَمَنْ وُعَاتُكُمْ لِيُجِيبُوا دَعْوَتِي؟! طُوبَى لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّهُمْ سَيُفْلِحُونَ، وَتَعْسًا لِلَّذِينَ يَتَمَادَوْنَ فِي الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُمْ سَيَشْقَوْنَ... [الرسالة الثالثة]

جزء آخر من رسالة جنابه يؤكّد فيها على معرفة الحقّ والباطل.

إِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي خُسْرٍ؛ كَمَا قَالَ رَبُّكُمْ: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، وَخَلَاصُكُمْ مِنْ ذَلِكَ مَرْهُونٌ بِخَصْلَتَيْنِ، كَمَا أَنَّ طَيْرَ الطَّائِرِ مَرْهُونٌ بِجَنَاحَيْنِ، وَهُمَا الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ؛ كَمَا قَالَ رَبُّكُمْ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.أَمَّا الْإِيمَانُ فَهُوَ الْإِعْتِقَادُ بِالْحَقِّ، وَتَرْكُ الْإِعْتِقَادِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا يُمْكِنُ الْحُصُولُ عَلَيْهِمَا إِلَّا بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ الصَّالِحُ فَهُوَ إِتْيَانُ مَا يَسْتَلْزِمُهُ الْحَقُّ، وَاجْتِنَابُ مَا يَسْتَلْزِمُهُ الْبَاطِلُ، وَلَا يُمْكِنُ الْحُصُولُ عَلَيْهِمَا أَيْضًا إِلَّا بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. فَلَا جَرَمَ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ رُكْنُ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَبْدَؤُهُمَا. مَثَلُ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُمَا كَمَثَلِ الْأَسَاسِ مِنَ الْبِنَاءِ، وَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَالصَّلَاةِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ. أَفَيَبْقَى الْبِنَاءُ قَائِمًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَسَاسٌ؟! أَوْ يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ بِجَوَارِحِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْسٌ؟! أَوْ يُقْبَلُ مِنْهُ حَجُّهُ وَصَوْمُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ صَلَاةٌ؟! كَذَلِكَ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا يَنْفَعُهُ عَمَلٌ صَالِحٌ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ. [الرسالة الرابعة]

جزء من رسالة جنابه يبيّن فيها ضرورة معيار صحيح للمعرفة

أَلَا يَحْتَاجُ مَنْ لَا يَعْرِفُ الذَّهَبَ الْأَصْلِيَّ مِنَ الْمُزَيَّفِ إِلَى مِحَكٍّ مُسْتَقِيمٍ لِيُمَيِّزَ بِهِ؟! أَوْ لَا يَحْتَاجُ مَنْ لَا يَفْرُقُ بَيْنَ الطَّرِيقِ وَالْمَضَلَّةِ إِلَى دَلِيلٍ عَارِفٍ بِالطَّرِيقِ لِيَدُلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ؟! أَوْ لَا يَحْتَاجُ مَنْ حُبِسَ فِي مَكَانٍ مُظْلِمٍ إِلَى شَمْعَةٍ مُضِيئَةٍ لِتُضِيءَ مَا حَوْلَهُ؟! أَوْ لَا يَحْتَاجُ مَنْ فَقَدَ بَصَرَهُ إِلَى قَائِدٍ بَصِيرٍ لِيَأْخُذَ بِيَدِهِ؟! أَوْ لَا يَحْتَاجُ مَنْ يَغْرَقُ إِلَى مُسْتَمْسَكٍ وَثِيقٍ لِيَتَمَسَّكَ بِهِ؟! أَوْ هَلْ يُوجَدُ عَاقِلٌ يَقْتَحِمُ الْبَحْرَ بِدُونِ زَوْرَقٍ؟! أَوْ هَلْ يُوجَدُ أَعْمَى يَرْحَلُ الْبِلَادَ بِدُونِ مُرَافِقٍ؟! كَذَلِكَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ يَحْتَاجُ إِلَى مِعْيَارٍ لِيُمَيِّزَ بِهِ، وَمَنْ لَا يَفْرُقُ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَالضَّلَالَةِ يَحْتَاجُ إِلَى هَادٍ لِيُوقِفَهُ عَلَى الْهِدَايَةِ، وَمَنْ حُبِسَ فِي ظُلْمَةِ الشُّبُهَاتِ يَحْتَاجُ إِلَى شَمْعَةٍ لِتُضِيءَ لَهُ، وَمَنْ عَمِيَ عَنِ الصَّوَابِ وَالْخَطَإِ يَحْتَاجُ إِلَى قَائِدٍ لِيَأْخُذَ بِيَدِهِ، وَمَنْ يَغْرَقُ فِي بَحْرِ الْجَهْلِ يَحْتَاجُ إِلَى مُسْتَمْسَكٍ لِيَتَمَسَّكَ بِهِ. لَا يُمْكِنُ الْمَعْرِفَةُ بِدُونِ مِعْيَارٍ، وَلَا الْهِدَايَةُ بِدُونِ هَادٍ، وَلَا الرُّؤْيَةُ بِدُونِ ضِيَاءٍ، وَلَا رِحْلَةُ الْأَعْمَى بِدُونِ مُرَافِقٍ، وَلَا نَجَاةُ الْغَرِيقِ بِدُونِ مُسْتَمْسَكٍ، وَلَا عُبُورُ الْبَحْرِ بِدُونِ زَوْرَقٍ. [الرسالة الخامسة]

في أنّ من يعرف خليفة اللّه في الأرض ولا يستطيع الوصول إليه لعذر، يمكنه الأخذ برواية أصحابه عنه ما دام حيًّا.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ يَقُولُ: الرَّأْيُ ظَنٌّ وَالرِّوَايَةُ ظَنٌّ، وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا، إِنَّمَا الْعِلْمُ السَّمَاعُ مِنَ الْمَجْعُولِ، قُلْتُ: وَمَا تُرِيدُ بِالْمَجْعُولِ؟! قَالَ: مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ وَإِمَامًا لِلنَّاسِ، قُلْتُ: رُبَّمَا يَسْمَعُ الرَّجُلُ مِنَ الْمَجْعُولِ، فَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ فَيَرْوِي لِإِخْوَانِهِ مَا سَمِعَهُ مِنْهُ، فَيَأْخُذُونَ بِرِوَايَتِهِ! قَالَ: لَيْسَ هَذَا مُرَادِي بِالرِّوَايَةِ، إِنَّمَا أَرَدْتُ الرِّوَايَةَ عَنِ الْأَمْوَاتِ، فَحَدِّثُوا عَنِ الْمَجْعُولِ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَارْجِعُوا إِلَى خَلِيفَتِهِ وَحَدِّثُوا عَنْهُ، وَلَا تَتَّخِذُوهُ مَهْجُورًا تُحَدِّثُوا عَنِ الْمَيِّتِ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. [الفقرة ١ من القول ١٢]

في أنّ من يعرف خليفة اللّه في الأرض ولا يستطيع الوصول إليه لعذر، يمكنه الأخذ برواية أصحابه عنه ما دام حيًّا.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: عَلَيْكَ بِمَا سَمِعْتَهُ مِنْ خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ بِأُذُنَيْكَ هَاتَيْنِ أَوْ حَدَّثَكَ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ حَيٌّ، فَإِنَّ الْحَيَّ يَكَادُ لَا يُكْذَبَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كُذِبَ عَلَيْهِ لَرَدَّهُ، وَهُوَ يُبَيِّنُ لِأَهْلِ زَمَانِهِ الشَّاهِدِينَ مِنْهُمْ وَالْغَائِبِينَ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ يَرْجِعُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَى خَلِيفَتِهِ فِيهِمْ، فَيَسْمَعُونَ مِنْهُ وَيُحَدِّثُونَ عَنْهُ، وَلَا يَقِفُونَ عَلَى الْهَالِكِ وَلَا يَنْقَلِبُونَ إِلَيْهِ، وَلَا يَقُولُونَ كَمَا قَالَ الَّذِينَ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَهُمْ مِثْلَ مَا جَعَلَ لِآبَائِهِمْ، كِتَابًا عَزِيزًا وَخَلِيفَةً هَادِيًا، وَأَمَرَهُمْ بِمِثْلِ مَا كَانُوا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ أَخَذَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فَقَدْ أَخَذَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ أَخَذَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أُرْجِئَ، فَإِنْ صَدَقُوهُ نَجَى وَإِنْ كَذَبُوهُ هَلَكَ، وَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ كَاذِبُونَ! [الفقرة ٣ من القول ١٢]

في أنّ من يعرف خليفة اللّه في الأرض ولا يستطيع الوصول إليه لعذر، يمكنه الأخذ برواية أصحابه عنه ما دام حيًّا.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَعْرِفَةَ خَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ وَالنَّفْرَ إِلَيْهِ لِتَسْمَعُوا مِنْهُ وَلِتَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنْ لَنْ تَنْفِرُوا كَافَّةً، فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَخَفَّفَ عَنْكُمْ، وَرَضِيَ أَنْ تَنْفِرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْكُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ! فَأَذِنَ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْكُمْ وَالْمُتَخَلِّفِينَ مِنَ الْمَرْضَى وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَالَّذِينَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَالْمُجَاهِدِينَ أَنْ يَأْخُذُوا بِمَا يَرْوِي لَهُمْ ذَوُوا عَدْلٍ مِنْهُمْ مِنَ الَّذِينَ يَنْفِرُونَ، لِئَلَّا يَكُونَ عَلَيْهِمْ حَرَجٌ فِي دِينِهِمْ إِذَا عَرَفُوا خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَمَا فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَجْهَلُوا خَلِيفَتَهُ فِي الْأَرْضِ أَوْ تَهْجُرُوهُ، وَتَتَّبِعُوا مَا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ وَآثَارًا مِنْ آثَارِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، لِتَقْطَعُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَتُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا، وَتَخْتَلِفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَكُمْ، يُقَلِّدَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ رِجَالًا وَيُقَلِّدَ طَائِفَةٌ أُخْرَى آخَرِينَ، وَمَنْ يَتَّبِعْ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَامًا فَقَدْ هُدِيَ إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدِيَ إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ. [الفقرة ٤ من القول ١٢]

خطبة من جنابه جمع فيها جوامع الحكمة.

أَيُّهَا النَّاسُ! اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ رَأْسُ مَالٍ أَنْفَعَ مِنَ الْعِلْمِ، وَالنَّاسُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ: مَنْ يَعْلَمُ وَمَنْ يَتَعَلَّمُ وَمَنْ لَيْسَ أَحَدًا. أَيُّهَا النَّاسُ! لَا تَغْرَقُوا فِي مَعِيشَتِكُمْ، وَلَا تَغْفُلُوا عَمَّا يَجْرِي عَلَى دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ. الْغَفْلَةُ فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ ذَنْبٌ عَظِيمٌ. آنِسُوا بِالْقُرْآنِ وَاعْمَلُوا بِهِ. اعْرِفُوا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ وَآلِهِ وَاتَّبِعُوهَا. فَعِّلُوا عُقُولَكُمْ وَافْحَصُوا أَقْوَالَ هَؤُلَاءِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى شُيُوخِ الْقَرْيَةِ وَكُبَرَائِهَا-؛ فَإِنْ وَجَدْتُمُوهَا تَتَوَافَقُ مَعَ عُقُولِكُمْ وَتَتَوَافَقُ مَعَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَخُذُوهَا، وَإِلَّا فَاضْرِبُوا بِهَا عَرْضَ الْجِدَارِ وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ إِثْمٍ فَفِي عُنُقِي. لَا تَعْتَبِرُوا أَحَدًا يَسْتَحِقُّ الطَّاعَةَ إِلَّا اللَّهَ وَخُلَفَاءَهُ فِي الْأَرْضِ؛ فَإِنَّ الْيَهُودَ ضَلُّوا بِطَاعَةِ عُلَمَائِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ؛ كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. التَّقْلِيدُ يُقْحِلُ جُذُورَ الْعَقْلِ وَلَا يَتْرُكُ مَجَالًا لِلتَّفْكِيرِ. [القول ١٤]

خطبة من جنابه جمع فيها جوامع الحكمة.

لَا تَتَعَصَّبُوا لِعَقَائِدِكُمُ الْقَدِيمَةِ وَآرَائِكُمُ الْخَاطِئَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ. أَفْضَلُكُمْ أَكْثَرُكُمْ مَعْرِفَةً، وَلَيْسَ أَكْثَرَكُمْ صَلَاةً وَصَوْمًا. الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ مُتَلَازِمَانِ كَإِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى- وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ. الْإِيمَانُ هُوَ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ عَقِيدَةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَنْ يُفْلِحَ أَبَدًا مَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَقِيدَةٌ صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ. فَضَعُوا عَقِيدَتَكُمْ فِي مِيزَانِ الْعَقْلِ، وَاعْرِضُوهَا عَلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ لِئَلَّا تَكُونُوا قَدْ أَخْطَأْتُمُ السَّبِيلَ. لَا تَفْتَتِنُوا بِالدُّنْيَا وَلَا تَبِيعُوا بِهَا آخِرَتَكُمْ؛ فَإِنَّ مَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِالدُّنْيَا فَقَدْ خَسِرَ فِي بَيْعِهِ وَأَفْلَسَ. لَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ النَّفْسِ؛ فَإِنَّ أَهْوَاءَ النَّفْسِ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَلَكِنِ اسْتَمِعُوا لِنِدَاءِ الضَّمِيرِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى النَّدَامَةِ. كَلِمَتِيَ الْأَخِيرَةُ مَعَكُمْ هِيَ أَنْ تَعْرِفُوا إِمَامَ زَمَانِكُمْ؛ فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ إِمَامَ زَمَانِهِ لَا يَعْرِفُ دِينَهُ وَلَا خَيْرَ فِي مِثْلِهِ [أراد بإمام الزمان من جعله اللّه إمامًا لأهل الزمان، وهو المهديّ عليه السلام]. [القول ١٤]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا يُقَالُ لِلْإِمَامِ «خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّهُ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَهَذِهِ نِسْبَةٌ صَحِيحَةٌ، كَقَوْلِهِمْ: «رُوحُ اللَّهِ» وَ«بَيْتُ اللَّهِ» وَ«أَرْضُ اللَّهِ»، وَقَدْ وَرَدَ إِطْلَاقُهَا عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَثَبَتَ إِطْلَاقُهَا عَلَى الْمَهْدِيِّ فِي حَدِيثِ «الرَّايَاتِ»، وَلَكِنَّ الْجُهَّالَ مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا نِسْبِةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَقَدْ بَلَغَ مِنْ جَهْلِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ الرَّايَاتِ إِلَّا جُزْءًا مِنْهُ يَذْكُرُ «خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ»، وَقَدْ بَالَغَ أَجْهَلُهُمْ فِي مَنْعِهَا حَتَّى نَسَبَ قَائِلَهَا إِلَى الْفُجُورِ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ لَا يُسْتَخْلَفُ إِلَّا مَنْ يَغِيبُ أَوْ يَمُوتُ، وَاللَّهُ لَا يَغِيبُ وَلَا يَمُوتُ، وَبِأَنَّ رَجُلًا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: «يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ»، فَقَالَ: «لَسْتُ بِخَلِيفَةِ اللَّهِ»، وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْخَلِيفَةِ إِلَى اللَّهِ هِيَ نِسْبَةُ تَمْلِيكٍ وَتَعْظِيمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿رُوحِي وَ﴿بَيْتِي وَ﴿أَرْضِي، وَمَنْ لَا يَفْقَهُ هَذَا فَهُوَ مِنَ الْعِلْمِ بَعِيدٌ كَبُعْدِ الْمَغْرِبِ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَإِنَّمَا مَنَعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةَ اللَّهِ؛ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ جَعَلَهُ النَّاسُ، ... وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ بِـ«خَلِيفَةِ اللَّهِ»، ... كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا نَادَى عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ: «يَا خَلِيفَة اللَّهِ فِي الْأَرْضِ!» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «مَهْ! ... لَمَّا وَلَّيْتُمُونِي أُمُورَكُمْ سَمَّيْتُمُونِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَوْ نَادَيْتَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ أَجَبْتُكَ، وَأَمَّا خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ فَلَسْتُ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ خُلَفَاءَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ دَاوُدُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَشِبْهُهُ»،... وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِلْمَهْدِيِّ «خَلِيفَةَ اللَّهِ» لِأَنَّهُ خَلِيفَةٌ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّهُ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ عَلَى مِثَالِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ... [الباب ١، الدرس ٥٠]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَا يَصْلُحُ النَّاسُ إِلَّا بِإِمَامٍ وَلَا تَصْلُحُ الْأَرْضُ إِلَّا بِذَلِكَ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بِهَذَا نَقُولُ وَإِلَيْهِ نَدْعُو، وَقَالَ: لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ. [الباب ١، الدرس ٦٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَصَفْوَانِ بْنِ يَحْيَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَيْرَةِ وَعَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ كُلِّهِمْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعِ الْأَرْضَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ يَعْلَمُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَإِذَا زَادَ الْمُؤْمِنُونَ رَدَّهُمْ وَإِنْ نَقَصُوا أَكْمَلَهُ لَهُمْ، فَقَالَ: خُذُوهُ كَامِلًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَالْتَبَسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَمْرُهُمْ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَلِكَ نَقُولُ لِلنَّاسِ: خُذُوا الدِّينَ كَامِلًا لَا نُقْصَانَ فِيهِ وَخَالِصًا لَا زِيَادَةَ مَعَهُ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُهُ كَمَثَلِ النَّارِ إِنِ ازْدَادَتْ حَرَّقَتِ الطَّعَامَ وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ تَطْبَخْهُ. [الباب ١، الدرس ٧٣]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ بِإِمَامٍ مَيِّتٍ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ فِيهَا إِقَامَةُ حُدُودِهِ وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ وَإِدَارَةُ أَمْوَالِهِ وَجِهَادُ أَعْدَائِهِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى إِمَامٍ حَيٍّ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ عَلَى سُنَّتِهِ فِي النَّسْخِ وَالْإِنْسَاءِ؛ كَمَا قَالَ: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَإِلَى قَوْلِي هَذَا أَشَارَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ- إِذْ قَالَ لِعِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَمَا إِنَّكَ يَا عِيسَى لَا تَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى تَعْرِفَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ، قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ مُوَطِّنًا نَفْسَكَ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ فِي طَاعَتِهِ فَيَمْضِي ذَلِكَ الْإِمَامُ وَيَأْتِي إِمَامٌ آخَرُ فَتُوَطِّنُ نَفْسَكَ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ فِي طَاعَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَرُوِيَ أَنَّ الْمُعَلَّى بْنَ خُنَيْسٍ سَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَنِ الْإِمَامِ الْمَاضِي، فَقَالَ: خُذُوا بِهِ حَتَّى يَبْلُغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ، فَإِنْ بَلَغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ فَخُذُوا بِقَوْلِهِ. [الباب ١، الدرس ٧٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ بِإِمَامٍ غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ فِي غَيْبَتِهِ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ وَيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ وَيُنَفِّذَ الْأَحْكَامَ وَيُجَاهِدَ الْأَعْدَاءَ وَلَوْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ عَجَزَ عَنْ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِيهِ وَلَا يُوَفِّقُهُ وَلَوْ أَدْرَكَ شَيْئًا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. [الباب ١، الدرس ٧٨]

كلّ بلد حاكمه غير مسلم فهو بلد كفر، ولا بأس بالسفر إليه مع الأمن على النفس والدّين لأجل التجارة والدّعوة إلى الإسلام وغير ذلك من المقاصد المشروعة، ولكن لا يجوز التوطّن فيه، وذلك لوجوه: الأوّل أنّه قبول حاكميّة الكافرين، وهو غير جائز... الثاني أنّه ركون إلى الكافرين، وهو غير جائز... الثالث أنّه اختلاط مع الكافرين، وهو غير جائز؛ ...لما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ، وَلَا تُجَامِعُوهُمْ، فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِثْلُهُمْ» وفي رواية أخرى: «مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ»، وقال: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مُشْرِكٍ بَعْدَمَا أَسْلَمَ عَمَلًا حَتَّى يُفَارِقَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ»، وقال: «مَنْ أَقَامَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي دِيَارِهِمْ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ»... الرابع أنّه تكثير سواد الكافرين، وهو تقويتهم وإعانتهم على المسلمين، وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ... الخامس أنّه ترك الهجرة، وهو غير جائز... بل هو بمنزلة التعرّب بعد الهجرة لمن ولد في بلد الإسلام ثمّ تركه واستوطن بلد الكفر، وذلك معدود من الكبائر... السادس أنّه تعرّض للفتنة والأذيّة في الدّين... السابع أنّه تعرّض لعذاب اللّه الذي يتوقّع نزوله على الكافرين في كلّ يوم... بناء على هذا، فلا ينبغي الشكّ في عدم جواز التوطّن في بلاد الكافرين، إلا لمن كان مضطرًّا أو محسنًا، والمضطرّ من ولد فيها من المسلمين أو أسلم فيها من الكافرين ثمّ تعذّر عليه تركها... أو من خاف على نفسه في بلاد المسلمين وهو مظلوم ولم يجد مأمنًا إلا في بلاد الكافرين... والمحسن من توطّن في بلاد الكافرين لا لشيء إلا لدعوتهم إلى الإسلام، إذا تعذّر عليه القيام بها مسافرًا دون توطّن... [السؤال والجواب ٤٥٦]

إنّما يحرم إعانة الظالمين والدخول في أعمالهم؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وأمّا قبول هداياهم وجوائزهم إذا لم يسألوا بإزائها شيئًا فجائز للمؤمنين؛ لأنّه ليس بإعانتهم ولا الدخول في أعمالهم، بل هو أخذ بعض ما في أيديهم لردّه إلى أهله ووضعه في موضعه؛ كما روي أنّ سعيد بن العاص بعث إلى علي عليه السلام بهدايا فقبلها وقال: خذ ما أعطوك، وروي أنّه قال: لا تسأل السلطان شيئًا وإن أعطى فخذ، وروي أنّ الحسن والحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية... وقال ابن عبد البر: قبل جوائز الأمراء جمهور العلماء. وروى عمر بن شيبة البحتري في كتاب القضاء أنّ الحسن البصري وابن سيرين والشعبي دخلوا على عمر بن هبيرة، فأمر لكلّ واحد منهم بألف درهم ألف درهم وأمر للحسن بألفي درهم، فقبض الحسن جائزته وأبى ابن سيرين أن يقبض، فقال لابن سيرين: ما لك لا تقبض؟ قال: حتّى يعمّ الناس، فقال الحسن: اللّه لو عرض لك ولي لصّ فأخذ ردائي ورداءك، ثم بدا له أن يردّ عليّ ردائي كنت أقول لا أقبل ردائي حتّى تردّ على ابن سيرين رداءه؟! كنت أحبّ أن تكون أفقه ممّا أنت يا ابن سيرين. نعم، يبعث بخمس هداياهم وجوائزهم إلى خليفة اللّه في الأرض وإن كان غائبًا فإلى من يمهّد لظهوره؛ لأنّها شيء يغنمه الإنسان وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، والغُنم هو الفوز بالشيء من غير مشقّة... [السؤال والجواب ٣٩٢]

لقد فرض اللّه الخمس في كلّ ما يغنمه الإنسان؛ كما قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، ولا شكّ أنّ ﴿مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ في قوله تعالى عامّ، وإن نزل في شأن غنائم الحرب؛ لأنّ شأن النزول ليس مخصّصًا، والقرآن لا يُخصَّص بالروايات، ولذلك يجب الخمس في كلّ ما يغنمه الإنسان، وهو كلّ مال مرغوب فيه يناله بلا عوض أو توقّع أو استحقاق، وقد أحصاه السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في رسالة له، فقال: «اعْلَمْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَرْزُقُكَ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ فَفِيهِ الْخُمْسُ، كَالْغَنِيمَةِ، وَالْكَنْزِ، وَالْمَعْدِنِ، وَالْحِلْيَةِ الَّتِي تَسْتَخْرِجُهَا مِنَ الْبَحْرِ، وَالْهِبَةِ، وَالْجَائِزَةِ، وَالْفَائِدَةِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي تَفْضُلُ عَنْ مَؤُونَتِكَ، وَالْمِيرَاثِ الَّذِي لَا تَحْتَسِبُهُ مِنَ الْبَعِيدِ، وَالْمَالِ الَّذِي تَكْنِزُهُ فَلَا تَأْكُلُ مِنْهُ وَلَا تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَعَلَيْكَ فِي ذَلِكَ الْخُمْسُ تُخْرِجُهُ إِلَى خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ، إِنْ كُنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»... ثمّ يستحبّ لكلّ مؤمن أن يخصّص خمس أمواله كلّها للّه وخليفته في الأرض، وهذا ما اعتبره السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى «سرًّا من أسرار آل محمّد»؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال: «قَالَ لِيَ الْمَنْصُورُ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى سِرٍّ مِنْ أَسْرَارِ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟! قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: اجْعَلْ خُمْسَ مَالِكَ لِلَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُخْلِصًا لَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ -يَعْنِي عَلِيًّا- عَلَيْهِ السَّلَامُ». [السؤال والجواب ١٨٩]

«العقيقة» هي أن يذبح الوالد عن ولده في اليوم السابع من ولادته قربانًا للّه تعالى، وقد اختلف الفقهاء في حكمها اختلافًا كبيرًا؛ فقال الجمهور أنّها سنّة مستحبّة، وقال أهل الظاهر وبعض الإماميّة أنّها واجبة، وقال طائفة أنّها من أمر الجاهليّة، إذ ظنّوا أنّ ما ورد فيها خبر واحد، والمحكيّ عن أبي حنيفة أنّها بدعة، فلعلّه أراد ما قال تلك الطائفة؛ لأنّها لم تكن أمرًا محدثًا؛ كما قال يحيى بن سعيد الأنصاريّ (ت١٤٣هـ): «أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَمَا يَدَعُونَ الْعَقِيقَةَ عَنِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ»، وقال مالك بن أنس (ت١٧٩هـ) في الموطأ: «هِيَ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا»... ولذلك يقول المحقّقون من الأحناف أنّها ليست سنّة، ولا يقولون أنّها بدعة، ومرادهم أنّها من العادات المباحة، كما يذكرون عن محمّد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة أنّه قال فيها: «مَنْ شَاءَ فَعَلَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ»... ولا يخفى ما في هذا من التكلّف؛ لأنّ الذبح ليس من العادات المباحة، بل هو عبادة لا محالة لضرورة أن يكون للّه، وعليه فلا تخلو العقيقة من أن تكون واجبة أو مستحبّة، ولا شكّ في استحباب الذبح للّه تعالى عقب كلّ نعمة فوق عادة شكرًا، والولد السويّ نعمة فوق عادة، ولذلك أقلّ حكم العقيقة الإستحباب بالنظر إلى العمومات والإطلاقات، بل الحقّ ما ذهب إليه أهل الظاهر وبعض الإماميّة من وجوبها على المستطيع، لا بسبب الأحاديث الواردة فيها فقطّ، بل بسبب قول اللّه تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ؛ لأنّ «الكوثر» هو الخير الكثير، ومن أكبر مصاديقه الولد السويّ، بل قيل أنّه المراد في الآية بقرينة قول اللّه تعالى: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، ولذلك يجب على الوالد أن يشكر اللّه تعالى بالصلاة والذبح إذا ولد له ولد سويّ. [السؤال والجواب ٩٠]

لا ينبغي الشكّ في أنّ استعمال المخدّرات حرام؛ لأنّه من ناحية يُدخل على الجسد أضرارًا خطيرة ومهلكة، في حين أنّ اللّه تعالى قال: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وقال: ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ، واشتهر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ»، ومن ناحية أخرى يعتبر مثالًا على إضاعة المال، في حين أنّ اللّه تعالى قال: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۝ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا، وثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه نهى عن إضاعة المال... بل يمكن إدراج المخدّرات تحت الخمر موضوعًا أو حكمًا؛ لأنّ كثيرها يخمّر العقل، أي يحجبه عن التعقّل بشكل عاديّ وطبيعيّ، وهذا هو معنى السّكر، وقد جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»... لا مجال للتشكيك والمناقشة في حرمة التدخين كحرمة استعمال المخدّرات؛ لأنّه أيضًا يؤدّي إلى الأمراض المهلكة، ويعتبر مثالًا على إضاعة المال... يُعلم ممّا تقدّم أنّ البيع والشراء للمخدّرات وما يستعمل في التدخين غير جائز؛ لأنّ القاعدة في الإسلام حرمة البيع والشراء لكلّ ما لا يجوز استعماله، نظرًا لقول اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ... بناء على هذا، فإنّ من يبيع المخدّرات وآلات التدخين لا يستحقّ ثمنها، وإن أخذه فقد أخذ ما لا يحلّ له وأكَل أموال الناس بالباطل. [السؤال والجواب ٨٣]

إنّك لم تقل أيّ قول من أقوال المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى شيء تفرّد به ولم يقله عالم ولا فقيه ولا مجتهد قبله! إذا كنت تقصد قوله بأنّ أهل البيت أحقّ بالخلافة من غيرهم، فقد قال به جمع غفير من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وإذا كنت تقصد قوله بأنّه لا يجوز سبّ أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وغيرهم من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقد قال به أئمّة أهل البيت وسائر صلحاء الأمّة، بل لا نعرف أحدًا لم يقل بذلك ماعدا سفهاء الشيعة، وإذا كنت تقصد قوله بعدم جواز تقليد غير المعصوم، فقد قال به الكثير من العلماء والفقهاء والمجتهدين من القرن الأول حتّى الآن، بل لا نعرف أحدًا منهم لم يقل بذلك في القرون الأولى، وإذا كنت تقصد قوله بعدم حجّيّة خبر الواحد، فقد قال به الكثير من العلماء والفقهاء والمجتهدين في القرون الأولى، بل كان أبو حنيفة (ت١٥٠هـ) -الذي يقلّده نصف المسلمين- يسمّي خبر الواحد «رِيحًا» و«خُرَافَةً» ويقول: «حُكَّهُ بِذَنَبِ خِنْزِيرٍ» وكان الشريف المرتضى (ت٤٣٦هـ) من أساطين الشيعة يقول: «إِنَّ أَصْحَابَنَا كُلَّهُمْ، سَلَفَهُمْ وَخَلَفَهُمْ، وَمُتَقَدِّمَهُمْ وَمُتَأَخِّرَهُمْ، يَمْنَعُونَ مِنَ الْعَمَلِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ» وكان ابن إدريس الحلّيّ (ت٥٩٨هـ) يقول: «فَهَلْ هَدَمَ الْإِسْلَامَ إِلَّا هِيَ؟! يَعْنِي أَخْبَارَ الْآحَادِ»، وإذا كنت تقصد قوله في علّة غيبة المهديّ، فقد قال به أعاظم قدماء الإماميّة؛ كما قال أبو جعفر الطوسيّ (ت٤٦٠هـ): «لَا عِلَّةَ تَمْنَعُ مِنْ ظُهُورِهِ إِلَّا خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْقَتْلِ» وإذا كنت تقصد قوله بعدم ثبوت الولاية المطلقة للفقيه، فقد قال به الشيعة كلّهم ماعدا قليلًا من المتأخّرين ممّن لا قدم له في العلم، وهكذا سائر أقواله الطيّبة في كتاب «العودة إلى الإسلام»؛ فإنّه لا شيء منها إلا وله أصل في القرآن والسنّة، ودليل من العقل، وقائل من السّلف الصالح. [الشبهة والرّدّ ٢]

حقيقة أنّك لم تكن تعرف العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى ولم تسمع باسمه من قبل، لا تعني أنه غير موجود؛ كما قال العقلاء: «عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود»، وكما أنّك بالتأكيد لا تعرف الكثير من علماء العالم الإسلاميّ في بلاد مختلفة ولم تسمع بأسمائهم، ومع ذلك فإنّهم موجودون، وسواء كنت تعرف ذلك أم لا، فإنّهم يباشرون أنشطتهم العلميّة والثقافيّة. بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أنّ «الإنترنت» ليست لوح اللّه المحفوظ حتّى تحتوي على السير والصور لجميع عباد اللّه، بل هي شبكة أنشأها الكفّار والظالمون لترويج ثقافتهم ونشرها في العالم ولذلك، فإنّ السير والصور الخاصّة بهم وأوليائهم وفيرة فيها، ولكنّ السير والصور للعديد من عباد اللّه الصالحين غير موجودة فيها! نعم، للأسف، أنت تحت تأثير إيحاءات الجهلة والمرضى وأصحاب الدعايات المغرضة، وإلا فإنّك تعلم أنّ أكثر عباد اللّه الصالحين هم الذين هم مجهولون ويهربون من الشهرة، وهذا لا يعني أنهم غير موجودين، بل ربما يكون وجود الآخرين بيُمن وجودهم، وببركة وجودهم يُمهَلون! أولئك الذين وصفتهم الروايات بأنّهم «فِي الْأَرْضِ مَجْهُولُونَ وَفِي السَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ»... على أيّ حال، تذكّر أنّ الحكيم هو الذي لا يعرف الحقّ بالرجال، بل يعرف الرجال بالحقّ، في حين أنّ الجاهل يفعل عكس ذلك، فيحسب شهرة الرجال دليلًا على أنّهم حقّ، وعدم شهرتهم دليلًا على أنّهم باطل! هذا جهل واضح بالتأكيد! [الشبهة والرّدّ ٣]

الخبر المنسوب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في ظهور ٧٣ فرقة بعده إحداها «ناجية» وسائرها أهل النار، هو خبر واحد وغير يقينيّ، وقد بيّن المنصور الهاشمي الخراساني بالتفصيل عدم حجّيّة مثل هذه الأخبار في مباحث من كتابه مثل مبحث «رواج النّزعة الحديثيّة». بغضّ النظر عن حقيقة أنّ أكثر أسانيد هذا الحديث ضعيفة في رأي أهل الحديث، وأنّ ذيله المشهور الذي يقول أنّ الفرقة الناجية هي الجماعة وأنّ الجماعة هي ما كان عليه النبيّ وأصحابه، لا يمكن الإلتزام به، نظرًا للإختلاف الشديد في أقوال وأفعال أصحاب النبيّ، بل يشمّ منها رائحة الوضع. بالإضافة إلى أنّ صدره لا يتوافق مع الواقع المحسوس والخارجيّ؛ لأنّ ظهور ٧٣ فرقة بين المسلمين بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ليس ثابتًا، بل لعلّ الثابت خلافه؛ بالنظر إلى أنّ فرق المسلمين المذكورة في كتب الملل والنحل هي أكثر أو أقلّ بكثير من هذا العدد، وحذف بعضها وإضافة بعضها لانطباقها على هذا العدد ليس ممكنًا إلا بتكلّف كثير، بل هو في الغالب ترجيح بلا مرجّح... إنّا لم نضعّف جميع أسانيد هذا الحديث، بل قلنا بصراحة: «إنّ أكثر أسانيد هذا الحديث ضعيفة في رأي أهل الحديث»، وهذا يعني أنّ بعض أسانيده صحيحة في رأيهم، وإن كان فيهم من يضعّف كلّها، مثل ابن حزم (ت٤٥٦هـ) إذ قال في هذا الحديث: «لَا يَصِحُّ أَصْلًا مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلَيْسَ حُجَّةً عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، فَكَيْفَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ؟!»، ومال إلى قوله ابن تيميّة (ت٧٢٨هـ) في منهاج السنّة النبويّة، وقال الشوكاني (ت١٢٥٠هـ) «أَنَّ زِيَادَةَ <كُلُّهَا فِي النَّارِ> لَمْ تَصِحَّ لَا مَرْفُوعَةً وَلَا مَوْقُوفَةً»، ولا خلاف بينهم في أنّ أكثر أسانيده ضعيفة. [الشبهة والرّدّ ٧]

إنّ الوجوب والحرمة لإقامة الحدود الإسلاميّة على المقصّرين ليسا من جهة واحدة حتّى يكونا متناقضين، ولكنّهما من جهتين مختلفتين؛ كما هو الحال في اجتماع الأمر والنهي الشرعيّين في موضوع واحد، إذ يجتمع عمل واجب مثل الصلاة مع عمل حرام مثل الغصب، كمن يغصب مكان رجل بالصلاة فيه؛ لأنّه من الواضح أنّ الصلاة في هذه الحالة محرّمة من جهة أنّها غصب وواجبة من جهة أنّها عبادة مفترضة، وليس هناك أيّ تناقض لاختلاف الجهتين، وهذه هي الحال في الوجوب والحرمة لإقامة الحدود الإسلاميّة على المقصّرين، والأشبه أنّها هي من باب حرمة القيام بذي المقدّمة قبل القيام بالمقدّمة؛ كما أنّ الصلاة واجبة ولكنّها غير جائزة لمن ليس على طهارة، بحيث أنّه إذا صلّى بغير طهارة فقد أثم، وليس في هذا أيّ تناقض؛ لأنّ حرمة الصلاة في نفس الوقت الذي هي واجبة فيه أمر حدث بسوء اختيار من المكلّف. [الشبهة والرّدّ ٨]

يعتقد السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني أنّ وجوب إقامة الحدود الإسلاميّة على المسلمين هو «وجوب ضمنيّ»؛ بمعنى أنّها واجبة في ضمن إقامة كلّ الإسلام وليست واجبة بمفردها؛ مثل الركوع الذي يجب إتيانه في ضمن الصلاة ولا يعتبر واجبًا في غير الصلاة، إلا أنّ الصلاة واجبة، وبالتالي فإنّ الركوع واجب. لذلك، لو أنّ رجلًا تاركًا للصلاة ركع، فإنّه لم يصلّ بقدر ركوعه ولم يحصل على ثواب الركوع، بل ركوعه باطل ولا يغني من الصلاة شيئًا؛ لأنّه قد تمّ تشريعه باعتباره جزءًا من الصلاة. هذه هي الحال في إقامة الحدود الإسلاميّة؛ فإنّها واجبة في ضمن إقامة كلّ الإسلام ولا تعتبر واجبة في غيرها، إلا أنّ إقامة كلّ الإسلام واجبة، وبالتالي فإنّ إقامة الحدود الإسلاميّة واجبة. لذلك، لو أنّ رجلًا أقام حدًّا قبل أن يقيم أحكام الإسلام التمهيديّة، فإنّه لم يعدل ولم يؤجر، بل ظلم وأثم؛ لأنّ الحدّ قد تمّ تشريعه باعتبار أنّه أحد أحكام الإسلام المتناسبة وأنّه سيتمّ إقامته مع إقامتها... الحاصل أنّه يجب على المسلمين إقامة الحدود الإسلاميّة بإظهار المهديّ عليه السلام وإيصاله إلى الحكومة، وإذا لم يفعلوا ذلك، فإنّ إقامة الحدود الإسلاميّة من قبلهم تشبه الصلاة بغير وضوء. [الشبهة والرّدّ ٨]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

مجموعة من الناس هم الذين قد قرؤوا الكتاب وأدركوا الحقائق الموجودة فيه، لكن بسبب القمع والضغط الحاكمين على البيئة السياسية في بلدهم قد يخافون أن يتكلّموا حوله! ما يجب ذكره لهؤلاء الناس، هو الخوف من اللّه ويوم القيامة؛ لأنّ محتوى هذا الكتاب ليس إلا الإسلام الخالص والكامل القائم على أساس اليقينيّات أعني آيات القرآن والسنّة المتواترة والبراهين العقليّة المحكمة وهو مثال واضح على المعروف. لذلك، إنّ الدعوة إليه هي مثال واضح على الأمر بالمعروف وبالتالي واجبة. بناء على هذا، إنّ من يخاف مؤاخذة الحكومات أكثر ممّا يخاف مؤاخذة اللّه، ليس بشخص ذكيّ وحكيم، بل هو خاطئ وسيصبح خاسرًا ونادمًا. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

إنّ بعض الناس يقرؤون الكتاب ويفهمونه، لكنّهم لا يقبلونه ولا يستحسنونه أو بعض أجزائه على الأقلّ، نظرًا إلى كونه جديدًا بديعًا واختلافه الواضح عن القرائات الرائجة والمشهورة. هذه الطريقة أيضًا طريقة غير صحيحة؛ لأنّ كلّ شيء ما سوى اللّه سبحانه حادث وتمّ إيجاده في زمان ما وهذا لا يدلّ على كونه باطلًا! في الواقع، إنّ نفس العقائد والأعمال القديمة التي يعتبرها الناس صحيحة وقد اعتادوها، لم تكن موجودة من اليوم الأوّل وتعتبر جديدة وبديعة بالنسبة إلى العقائد والأعمال السابقة عليها وإن قبلنا هذه الطريقة فلا يبقى أيّ حقّ! من الواضح أنّ هذه عادة خاطئة ولها جذور نفسية وذهنيّة وتجب إزالتها. إنّ الطريقة الصحيحة التي مدحها القرآن هي استماع جميع الأقوال بغضّ النظر عن زمانها ومكانها وقائلها ثمّ اتّباع أحسنها استنادًا إلى العقل بصفة معيار المعرفة بمعزل عن موانع المعرفة. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

فريق آخر من الناس هم بعض العلماء والمشاهير الذين بلغهم خبر الكتاب، لكن بما أنّهم يحسبون أنفسهم عالمين بكلّ شيء وأبرياء من كلّ عيب ونقص وأغنياء من السؤال والتعلّم، لا يقرؤون الكتاب أو يقرؤونه ولكن لا يسمح لهم تكبّرهم بأن يخضعوا أمام حقائقه ويتحدّثوا حوله. بالطبع هؤلاء الأشخاص قد أخطؤوا في حساباتهم من جهات شتّى؛ لأنّه من جانب، الإذعان بالخطأ والإقرار بالجهل ليس فحسب لا يحطّ من قدر شخص وإن كان جليل المنزلة، بل العكس يرفعه ومن جانب آخر، العظيم الحقيقيّ هو من كان عند اللّه عظيمًا لا عند الناس والمشهور الحقيقيّ هو من كان في السّماء مشهورًا لا في الأرض والعظماء عند اللّه والمشاهير في السّماء هم الذين يخشون اللّه ويتّقونه ويرون الحقّ ويسمعونه وينطقون به ويتّبعونه ويدعون إليه، لكنّ أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة مع الأسف. بالإضافة إلى ذلك أنّ الحقّ يشقّ طريقه ويصل إلى المنزل المقصود شاء هؤلاء العظماء والمشاهير أم أبوا ويومئذ لا يبقى لهم شيء سوى الخزي! لهذا يحكم العقل بأن يتدبّروا اليوم لغد ويطئوا اليوم تكبّرهم لئلا يتمّ غدًا وطئ جميع ما لديهم! [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

أناس آخرون أيضًا ينظرون في الكتاب بتصوّراتهم المسبّقة. يكذّبون الكتاب ويعتبرونه باطلًا ويتّهمونه بكلّ سوء ولمّا يقرؤوه! هؤلاء الذين قد اتّخذوا موقفهم من قبل وإن قرؤوا الكتاب فلا يقرؤونه للدراية والرشد، بل يقرؤونه لتتبّع العثرة وطلب الذريعة والإستهزاء ولا يبتغون الحكمة والهداية. هؤلاء سيعلمون في يوم تشخص فيه الأبصار أنّهم استعجلوا في الحكم وغرّهم الشيطان وخسروا المعركة... فريق آخر متعصّبون لدرجة إذا رأوا في الكتاب أدنى اختلاف عن الأشياء التي يقبلونها أو الأشخاص الذين يحبّونهم، يفقدون عنان الإختيار ويطلقون اللسان بالسبّ واللعن والإهانة والبهتان. هذا الفريق أيضًا سيعرفون الحقّ في يوم يدخلون النار مع محبوبيهم ومعبوديهم؛ النار التي أوقدها تعصّبهم الأعمى وحميّتهم الجاهليّة. ذلك اليوم يوم الحسرة ويجب اللجوء إلى اللّه من ذلك اليوم... فريق آخر مقلّدون لدرجة لا يشربون حتّى الماء بدون إذن مرجع تقليدهم، ناهيك عن قراءة كتاب مهمّ مثل «العودة إلى الإسلام» والإلتزام به! هؤلاء أيضًا إذا يواجهون هذا الكتاب يغلقون أعينهم ويكتفون بما قال مرجع تقليدهم حوله. هؤلاء أيضًا في يوم عسير لا يغيثهم فيه مرجع تقليدهم سيلقون حسرة عظيمة. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

فريق آخر يقرؤون هذا الكتاب القيّم ويدركون معارفه، لكنّهم في بحبوحة الفتنة والفوضى والتهميش والغوغاء والإعلانات السامّة لأعداء اللّه يصبحون مخدوعين ومتشائمين وتصبح قلوبهم مظلمة وينشغلون بالحاشية بدلًا من النصّ وينحرفون في النهاية عن الحقّ. بالطبع هذا الإثم الكبير هو أولًا في عنق الفتّانين الذين يصدّون عن سبيل اللّه. هؤلاء المهاذير بالرغم من انفتاح باب النقد العلميّ والمنطقيّ، بما أنّهم لا يملكون أيّ برهان وحجّة، يحاولون إثارة الجوّ وتلويثه، لكن ليعلم مخاطبو هذا الكتاب أنّ حركة جميع الأنبياء والأولياء في التاريخ أيضًا قد واجهت الإهانة والبهتان وإثارة الفتنة من قبل المستبدّين والمستكبرين والجبّارين وكان أعداء اللّه يلوّثون الجوّ ويصدّون الناس عن سبيل اللّه بأسوء طريقة ممكنة. فلم يحدث حادث جديد ويجب على مخاطبي هذا الكتاب النظر في أدلّته وبراهينه بحرّيّة وإنصاف والعثور على الحقّ والعمل بمقتضاه بمنأى عن المشاعر العابرة والعواطف الكاذبة إن شاء اللّه. [المقالة ٣]