الحديث ٨
تحريم الغدر بالإمام (٢)
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، أَنْ يُبَايِعَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يَنْكُثَ بَيْعَتَهُ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا رَوَاهُ صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ كُلُّهُ، وَالشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ:
الشاهد ١
مَا رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ يَقُولُ: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا غَدْرَةَ أَعْظَمُ مِنْ غَدْرَةِ إِمَامِ عَامَّةٍ».
الشاهد ٢
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ [ت٢٧٩هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ الْبَصْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ الْقُرَشِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا صَلَاةَ الْعَصْرِ بِنَهَارٍ، ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا أَخْبَرَنَا بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ: «أَلَا إِنَّهُ يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، وَلَا غَدْرَةَ أَعْظَمُ مِنْ غَدْرَةِ إِمَامِ عَامَّةٍ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: غَدْرَةُ إِمَامِ الْعَامَّةِ هِيَ الْغَدْرُ بِهِ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، وَمُبَايَعَةُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ هِيَ مُبَايَعَتُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَنَكْثُ بَيْعَتِهِ هُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ بِهَا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْغَدْرِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ بَعْدَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا:
الشاهد ٣
مَا رَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّصْرِيِّ، عَنْ ثُمَيْلٍ الْأَشْعَرِيِّ -وَكَانَ صَاحِبَ أَبِي الدَّرْدَاءِ- أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرًا، فَقَالَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَحِلُّ لِعَاصٍ، إِنَّهُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ نَاكِثٌ بَيْعَتَهُ، لَقِيَهُ وَهُوَ أَجْذَمُ، وَمَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ شِبْرًا مُتَعَمِّدًا، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمِيرُ جَمَاعَةٍ وَلَا لِأَمِيرِ جَمَاعَةٍ عَلَيْهِ طَاعَةٌ، بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَلِوَاءُ الْغَادِرِ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
الشاهد ٤
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَحِلُّ لِعَاصٍ، وَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ نَاكِثٌ بَيْعَتَهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ، وَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهُ، وَمَنْ مَاتَ لَيْسَ لِإِمَامِ جَمَاعَةٍ عَلَيْهِ طَاعَةٌ بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْثَ مَنْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَلِوَاءُ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ».
الشاهد ٥
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩ه] فِي «الْكَافِي»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَجِيءُ كُلُّ غَادِرٍ بِإِمَامٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَائِلًا شِدْقُهُ حَتَّى يَدْخُلَ النَّارَ، وَيَجِيءُ كُلُّ نَاكِثٍ بَيْعَةَ إِمَامٍ أَجْذَمَ حَتَّى يَدْخُلَ النَّارَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْأَجْذَمُ مَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ: «مَنْ نَكَثَ الْعَهْدَ فَمَاتَ نَاكِثًا لِعَهْدِهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ»[٧].
الشاهد ٦
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ»[٨]، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ الْغِفَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ أَعْطَى بَيْعَتَهُ ثُمَّ نَكَثَهَا، لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَتْ مَعَهُ يَمِينُهُ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَأَنَّهُ فَسَّرَ الْأَجْذَمَ بِمَقْطُوعِ الْيَدِ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ فِي النَّارِ لَمَدِينَةً يُقَالُ لَهَا الْحَصِينَةُ، أَفَلَا تَسْأَلُونِي مَا فِيهَا؟» فَقِيلَ: «وَمَا فِيهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟» قَالَ: «فِيهَا أَيْدِي النَّاكِثِينَ»[٩]، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَيْدِيَهُمُ الْمَقْطُوعَةَ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَدْرَ بِالْإِمَامِ هُوَ أَعْظَمُ ظُلْمٍ بَعْدَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ جَاؤُوهُ يَسْتَمِدُّونَهُ عَلَى قَوْمِهِمْ، فَأَمَدَّهُمُ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، فَانْطَلَقُوا بِهِمْ، حَتَّى إِذَا بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ: «مَا رَأَيْتُهُ وَجَدَ عَلَى أَحَدٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ»[١٠].