الحديث ١٠
تحريم الغدر بالإمام (٤)
رَوَى الْبُخَارِيُّ [ت٢٥٦هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ؛ وَرَوَى مُسْلِمٌ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ؛ جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
«أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو وَائِلٍ[٣] وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ[٤]، وَقَدْ وَهِمَ بَعْضُ الرُّوَاةِ، فَنَسَبَهُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ يَرْوِيهِ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ»، وَيَقُولُ: «لَا أَدْرِي أَيَّ عِبَادِ اللَّهِ، يَذْكُرُونَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو»[٥]، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ حَاتِمٍ[٦]، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ[٧]، أَنَّهُ كَانَ يَرْوِيهِ عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ».
الشاهد ١
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ [ت٣٥٤هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[٨]، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ.
الشاهد ٢
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ [ت٣٦٥هـ] فِي «الْكَامِلِ»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنَا السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى؛ وَحَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ أَخَافَ هَذَا الْحَدِيثُ كَثِيرًا مِنَ السَّلَفِ، حَتَّى حَاوَلُوا تَأْوِيلَهُ، وَقَدْ رُوِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَنْ كَذَبَ الْإِمَامَ وَخَانَهُ وَغَدَرَ بِهِ خَاصَّةً؛ كَمَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ [ت٤٣٠هـ] فِي «صِفَةِ النِّفَاقِ وَنَعْتِ الْمُنَافِقِينَ»[١٠]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمَنْبَجِيُّ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُحْرِمِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ»، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَيَّ دَيْنٌ، فَلَقِيَنِي وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أَقْضِي، فَخَشِيتُ أَنْ يَحْبِسَنِي وَيُهْلِكَ عِيَالِي، فَوَعَدْتُهُ أَنْ أَقْضِيَهُ رَأْسَ الْهِلَالِ، فَلَمْ أَفْعَلْ، أَمُنَافِقٌ أَنَا؟! قَالَ: هَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ، ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَعَدَ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ قَالَ: «زَوِّجُوهُ، لَا أَلْقَى اللَّهَ بِثُلُثِ النِّفَاقِ»، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، وَهَلْ يَكُونُ ثُلُثَا الرَّجُلِ مُؤْمِنًا وَثُلُثُهُ مُنَافِقًا؟! فَقَالَ: هَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ، قَالَ: فَحَجَجْتُ، فَلَقِيتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا سَمِعْتُ مِنَ الْحَسَنِ وَمَا قُلْتُ لَهُ وَمَا رَدَّ عَلَيَّ، فَقَالَ عَطَاءٌ: أَعَجَزْتَ أَنْ تَكُونَ قُلْتَ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ، أَلَمْ يَعِدُوا أَبَاهُمْ فَأَخْلَفُوهُ، وَحَدَّثُوهُ فَكَذَبُوهُ، وَائْتَمَنَهُمْ فَخَانُوهُ، أَمُنَافِقُونَ كَانُوا؟! قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَخْبِرْنِي بِأَصْلِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُنَافِقِينَ خَاصَّةً، الَّذِينَ حَدَّثُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَكَذَبُوهُ، وَوَعَدُوهُ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ إِلَى الْغَزْوِ فَأَخْلَفُوهُ، وَائْتَمَنَهُمْ عَلَى سِرِّهِ فَخَانُوهُ»، فَإِذَا أَتَيْتَ الْحَسَنَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ هَكَذَا، قَالَ: فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ فَأَقْرَأْتُهُ مِنْهُ السَّلَامَ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ لِي عَطَاءٌ، قَالَ: فَأَخَذَ الْحَسَنُ بِيَدِي، فَاسْتَلَّهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ هَذَا الرَّجُلِ؟! سَمِعَ مِنِّي حَدِيثًا، فَلَمْ يَقْبَلْهُ حَتَّى اسْتَنْبَطَ أَصْلَهُ، صَدَقَ عَطَاءٌ، هَكَذَا أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ.